الوقت- خرج الرئيس الأمريكي بقرارٍ لم يكن مُفاجئاً لكونه سيَّد القرارات الجنونية. هكذا بات الإعلام الغربي يُقدم اجتهادات السياسة الأمريكية التي يتبناها الرئيس ترامب. في حين انعكس قرار ترامب القاضي بخروج أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ، مزيداً من التباين في المواقف الغربية بين الطرفين الأمريكي والأوروبي. فماذا في الإنسحاب الأمريكي؟ وما هي دلالات الخلافات الأوروبية الأمريكية؟ وكيف يمكن توقع مستقبل العلاقات بين الطرفين؟
امريكا تنسحب من اتفاقية باريس للمناخ
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، انسحاب بلاده من اتفاقية باريس العالمية لمكافحة التغير المناخي مُبرراً ذلك بحماية أمريكا وشعبها على حد تعبيره. معتبراً أن ذلك يتعلق بواجبه تجاه الشعب الأمريكي، خصوصاً أن هذه الإتفاقية تضعف أمريكا وتعطي مزايا اقتصادية لدول أخرى تُعَد الأكثر إصداراً للتلوث، مؤكداً العمل على إعادة التفاوض من جديد في محاولةٍ لإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع الدول الأوربية متعهداً بالخروج من أي اتفاقية لا تضع أمريكا أولاً.
التأزم في العلاقات الأمريكية الأوروبية
صرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن امريكا لم تعد محل اعتماد أوروبا فيما يجب على الدول الأوروبية أن تتخذ قرارها بشكل مُستقل. وهو ما جاء ليتكامل مع الخلاف الذي بَرز في اجتماع الدول السبعة الذي انعقد في ايطاليا، حيث بدا واضحاً التباين الأمريكي الأوروبي، حيث وقف ترامب ضد بيان باريس للمناخ بل اعترض على نقاط عدة تخص الناتو الأمر الذي جعل الخلاف فاضحاً بين الطرفين. فيما تناقلت وسائل الإعلام الغربية رد ترامب على ميركل، والذي أشار الى أن ألمانيا لا تدفع الكثير من المال للناتو، محاولاً إبراز حجم الدعم الأمريكي الإستثنائي لقوات الأطلسي.
التحليل والدلالات
عدة دلالات يمكن الوقوف عندها نُشير لها في التالي:
أولاً: إن ما يخرج من تصريحات وتباين بين الطرفين الأوروبي والأمريكي، يدل على وجود معطيات واقعية تدل على سعي الدول الأوروبية للإنفصال عن السياسة الأمريكية خصوصاً مع وصول إدارة أمريكية جديدة، يرأسها ترامب الذي اعتمد سياسة تحقير الأوروبيين منذ وصوله للحكم.
ثانياً: لا شك أن إن وصول العلاقة الى الإنفصال، هو من الأمور التي ستحتاج لوقت، حيث توجد روابط راسخة بين أوروبا وأمريكا تتجاوز مجرد العلاقات وتصل لمستوى المصالح على الصعد التجارية والإقتصادية والأمنية والعسكرية.
ثالثاً: لن تتأثر أوروبا فقط بالعلاقات المتدهورة بل ستتأثر أمريكا أيضاً. فالعلاقة مع أوروبا هي إحدى مفاتيح واشنطن تجاه المنطقة لا سيما فيما يخص سياسة الإبتزاز الروسي. وهو ما قد يدفع بعض العقلاء في الإدارة الأمريكية للجم سياسة ترامب الإستفزازية، في ظل وجود جرأة أوروبية في التصريحات تتجاوز ما هو مُعتاد.
ما هو المتوقع في ظل الخلافات والتباينات الغربية؟
عدة نقاط نُشير لها في التالي:
أولاً: بالنسبة لروسيا، لا شك أنها سعت وما تزال، لإحتواء الدول الأوروبية، وذلك لترسيخ مبدأ المصالح المشتركة وإعادة إحياء العلاقات. الأمر الذي يجعل من التأزم الأمريكي الأوروبي، فرصة لموسكو لإستغلالها.
ثانياً: كما روسيا، تجد الصين نفسها قادرة على استغلال الضعف الأمريكي. وذلك ضمن مساعيها للتربُّع على عرش القوة الإقتصادية الأكبر في العالم. الأمر الذي يُعطيها فرصة للمساهمة في مشكلات أوروبا الإقتصادية.
ثالثاً: في حال تدهورت العلاقات بين أمريكا وأوروبا بشكل أكبر مما هو عليه اليوم، فإن مشاكل القارة العجوز الداخلية ستزداد. وهو ما لا تحتمله أوروبا حالياً نتيجة غرقها في مستنقع الأزمات الداخلية لا سيما المشاكل مع روسيا وانفصال بريطانيا.
رابعاً: يجب الإعتراف بأن العلاقات بين أوروبا وأمريكا تتأثر بالتغيُّر السياسي الحاصل لدى الطرفين. حيث تعيش أمريكا حالة من الإنفصام عن الواقع الخاص بها، فيما تعيش أوروبا مشكلات باتت تُهدد وحدتها.
إذن، تتصارع الدول على مصالح باتت مُتشابكة. ففي تاريخ العلاقات الأوروبية الأمريكية، لم نشهد هذا الإحتدام العلني. بل كانت أميركا في موقع الآمر وأوروبا في موقع المُطيع. اليوم، يتناغم جنون ترامب مع شعور الدول الأوروبية بضرورة الإستقلال عن السياسة الأمريكية. لكن ذلك بأسره، سيبقى رهن قدرة الأطراف على التضحية. فواشنطن كانت وما تزال حاجة أوروبية لا سيما لتأمين الدعم العسكري للناتو والدعم السياسي للحضور الدولي. في حين تحتاج أمريكا أوروبا، لتكون ورقتها في الضغط الجيوسياسي على روسيا. فهل قررت أمريكا حرق ورقتها الأوروبية؟ بالحد الأدنى يمكن القول أن العلاقة الأمريكية الأوروبية باتت مهددة!