الوقت- لطالما استخدم الرؤساء الأمريكيون بدءاً من بيل كلينتون مروراً بجورش بوش الابن وصولاً إلى بارك أوباما عبارات التهديد ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستخدمين عبارة "كل الخيارات مطروحة على الطاولة". العبارة الأخيرة هي رسالة تهديد مباشر بالحرب من قبل الأمريكيين لأن واشنطن استنفذت كافةً السبل الأخرى مع إيران، سواءً عبر الحرب بالوكيل(صدام) او فرض سلسلة من العقوبات على إيران لم يسبق لها مثيل.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أصبحت أمريكا القطب الأوحد في النظام العالمي الجديد، وشنت منذ ذلك الحين أكثر من خمسة حروب (حرب الخليج الثانية- عملية ثعلب الصحراء- الحرب ضد يوغوسلافيا- الحرب ضد أفغانستان- الحرب ضد العراق – التحالفات الدولية إبان الربيع العربي) لمجرد مصلحة إقتصادية او لرفض تلك الدول للهيمنة التي كانت أمريكا تريد فرضها. واللافت أن أمريكا ومنذ حربها الأولى(حرب الخليج الثانية) تتوعد الجانب الإيراني بـ"خيارات الطاولة"، ما يطرح العديد من التساءلات أولاً من ناحية التلويح الأمريكي الممنهج وليس آخراً من ناحية عدم تنفيذ خيار الحرب ضد إيران.
وقبل الخوض في أسباب التراجع الأمريكي، يشير إصرار واشنطن على مقولة " كل الخيارات مطروحة على الطاولة" إلى أهداف عدّة أبرزها:
أولاً: تروج امريكا حالياً لسياسة "إيران فوبيا" خاصةً في القضية النووية التي لطالما اكدت طهران كما تقارير المنظمة الدولية للطاقة الذرية على سلميته، لذلك لا بد من الترويج للخطر الإيراني عبر تهديده.
ثانياً: تحاول أمريكا أن تبعث برسائل إطمئنان لبعض حلفائها عبر تهديد إيران، مع العلم أن التاريخ لم يسجل للجمهورية الإسلامية الإيرانية أي إعتداء على أي طرف خارجي.
ثالثاً: أمريكا تحاول في بعض الأحيان أن تتدارك جموح الكيان الإسرائيلي الذي يتوعد كلامياً بضرب طهران عبر طرح "خيارات الطاولة ".
أسباب التراجع الأمريكي:
مما لا شكّ فيه أن كافةً القرارات التي تتخذ في البيت الابيض وخاصةً اذا ما كانت ترتبط بالامن القومي الامريكي، يتعيّن على أي رئيس وضعها في ميزان المصلحة والمفسدة-من وجهة نظر التركيبة القائمة على الأقل-، ولعل هذا السبب أي رجحان كفّة المفسدة في أي خطوة متهورة ضد إيران هو العامل الرئيسي في تراجع واشنطن لأن أمريكا لا تتوانى عن الدخول في أي حرب تعود عليها بالنفع، وما الأحاديث عن شرعية دولية ومقولة الإرهاب إلا أحد أساليب "الترف الفكري" الأمريكي.
ويبدو أن القدرات الإيرانية هي التي قلبت الطاولة على الخيارات الامريكية، فإيران تمتلك مقومات عدّة تختلف عن باقي الدول التي تجرأت أمريكا على مهاجمتها، وهي كالتالي:
أولاً: رغم وقوف العالم بأسره وعلى رأسهم أمريكا في مواجهة إيران أثناء الحرب المفروضة من قبل صدام حسين، سطّر الشعب الإيراني أروع الملاحم البطولية، ولم يتراجع عن حقوقه رغم الهجمة العالمية الشرسة حينها.
ثانياً: تمتلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية قدرات عسكرية متطورة جداً، كما ان القوات المسلحة الإيرانية بذلت قصاری جهدها في السنوات السابقة لبناء منظومة ردع صاروخية، تمنع أي طرف خارجي من التطاول على إيران.
ثالثاً: تدرك واشنطن جيداً أن أي إعتداء أمريكي على التراب الإيراني يعني تعرّض كافة القواعد العسكرية في منطقة الشرق الأوسط والتي تضم حوالي الـ150 ألف عسكري للخطر.
رابعاً: لن يقتصر الرد الإيراني على القواعد الامريكية في الشرق الأوسط بل سيتعداها إلى ما وراء البحار، كما أن الکیان الإسرائيلي لن یكون بمنأي عن الصواريخ الإيرانية.
خامساً: الإقتصاد الأمريكي الذي فاق عجزه الـ17 تريليون دولار أمريكي، لا يسمح لواشنطن بخوض حرب أخرى كثيرة التكاليف، فما اسمته الحرب على الإرهاب كلفها ما لا يقل عن أربعة تريليونات دولار في عقد من الزمن.
سادساً: معارضة روسيا والصين في مجلس الأمن إضافة لدول البريكس لأي إعتداء أمريكي على إيران، حيث تحرص واشنطن قبل أن تقوم بحرب ضد أي دولة، أن تحصل على تأييد دولي على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي.
سابعاً: بعد تجربة العراق تخشى أمريكا من استخدام قواتها البرية لأن استخدامها يؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة كما حصل في العراق وأفغانستان.
اذاً، يبدو أن الطرح الأمريكي لخيارات الطاولة تجاه الجمهورية الإسلامية لن يتعدّى الشاشات الأمريكية والغربية في سبيل تحقيق مصلحة آنية للرئيس الامريكي إما لمشروع إنتخابي وإرضاءً للوبي الصهيوني، أو لإرضاء حلفاء آخرين في المنطقة أو لأي مصلحة فئوية أخرى هنا أو هناك. والوقائع تشير إلى أن أمريكا لن تتجرأ على التراب الإيراني حفاظاً على جنودها ومصالحها في الشرق الأوسط، وخشيةً من أن تُقلب الطاولة الإيرانية على الخيارت الأمريكية.