الوقت - منذ أن فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية الفسطينية عام 2006، دخلت الضفة الغربية وقطاع غزة في مرحلة جديدة، عنوانها عقاب الفلسطينيين على ممارسة حقهم في اختيار من يمثلهم، أشكال هذه المعاقبة اختلفت بين المنطقتين، ففي الضفة كانت على شكل اعتقالات واسعة، نوابا وناشطين وغيرهم، وتعاظم التنسيق الأمني بين السلطة والكيان الصهيوني، وفي القطاع تمثلت في فرض حصار خانق وحروب ثلاثة.
اليوم، وبعد مضي أكثر من عشر سنوات على هذه العقابات الجماعية، وفشلها في إنهاء سلطة حركة حماس، يتعرض قطاع غزة إلى حرب نفسية شرسة، فتارة يهددها الاحتلال بحرب رابعة، وتارة أخرى السلطة الفلسطينية تهددها بقرارات وإجراءات قاسية.
بشكل عام، تشارك أربعة أطراف أساسية في معاناة الشعب الفلسطيني، ولاسيما في قطاع غزة، هي: الاحتلال الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية، ودول عربية، والولايات المتحدة الأمريكية، انيط لكل منها دور خاص، يصب في المجمل لصالح الطرف الرئيسي وهو الكيان الصهيوني.
بعد تهديدات، أطلقها المقربون من الرئيس الفلسطيني خلال الفترة الماضية، على رأسهم السيد محمود الهباش الذي دعا السلطة الفلسطينية إلى حرق غزة، دخل محمود عباس نفسه على الخط، متوعدا في اجتماع سفراء السلطة برام الله في 11 أبريل الماضي، باتخاذ خطوات حازمة ضد قطاع غزة.
وأوضح الرئيس عباس في هذا الاجتماع أن القرارات والإجراءات التي يتخذها تستهدف إجبار حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية، وإنهاء الوضع الخطير الذي أوجدته هذه الحركة حسب قوله، مما يعني أنه يريد أن يدفع حماس إلى رفع الراية البيضاء.
وبعد أيام، التحقت السلطة الفلسطينية رسميا بالأطراف المحاصرة لغزة من خلال التنصل من مسؤولياتها تجاه هذه المنطقة، والإعلان عن خفض 30 في المائة من مستحقات موظفيها هناك، ثم تبع ذلك عدم دفع فواتير الكهرباء التي تغذّي غزة، وإغراقها في الظلام ومياه الصرف الصحي، وترك المرضى على رأسهم الأطفال يموتون في المستشفيات بسبب انعدام الوقود التشغيلية لها.
وعن أسباب تلك الإجراءات، طرحت احتمالات كثيرة، أهمها:
1ـ أن تلك الأعمال ضد قطاع غزة تأتي في إطار خطة إسرائيلية، وإقليمية، ودولية لإنهاء المقاومة فيه.
2ـ أنها تأتي ترجمة لقرار انفرادي للرئيس محمود عباس، والسلطة الفلسطينية، وراءه دوافع شخصية.
فيما يتعلق بالاحتمال الأول، تتحدث مصادر مطلعة على وجود خطة لإنهاء المقاومة في عموم المنطقة، منها فلسطين حتى عام 2020، عليه، ترجح مصادر أن المرحلة التدشينية لتنفيذ هذه الخطة فلسطينيا أوكلت للسلطة الفلسطينية. بالرغم من قناعتي الشخصية القطعية بوجود مثل هذه الخطة، لكنني لا أظن أنها نضجت بعد ودخلت مرحلة التنفيذ، كما أنه على الأغلب ولأسباب عدة، ليست غزة المحطة الأولى.
وفي هذا السياق تشكل الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي إلى المنطقة منعطفا خطيرا.
في الوقت نفسه، ما يدفع للقناعة بأن إجراءات عباس ضد غزة لا تعني أن تلك الخطة باتت تدشن فلسطينيا على الأقل، هو انعدام فرص هدف إنهاء المقاومة على يد السلطة الفلسطينية وحدها دون تدخل أطراف أساسية أخرى، وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي، لأن ما لم تحققه حروب ثلاثة لا يمكن أن تحققه إجراءات السلطة، ثم أن الجهبة الداخلية الإسرائيلية لأسباب كثيرة ليست جاهزة خلال هذه المرحلة لتتحمل أعباء تنفيذ خطة كبيرة كهذه.
وفي هذا الصدد ليس متوقعا أن يذهب محمود عباس إلى أبعد الحدود في إجراءاته العقابية ضد قطاع غزة، لأنه في ظل المعطيات التي ذكرناها إن تجاوزت تلك الإجراءات حدودا معينة، سترتد آثارها أولا على الكيان الصهيوني، وعلى الأغلب سيؤدي ذلك إلى إنهاء التهدئة ووقوع حرب أخرى، ليست إسرائيل مستعدة لها في الوقت الحاضر بسبب ظروفها الداخلية كما قلنا، وكذلك لم يحن بعد الوقت المناسب للحرب الحتمية المؤجلة.
وعليه، ربما سوف يحدد الكيان الصهيوني سقفا معينا للرئيس الفلسطيني في إجراءاته، لا يستطيع أن يتجاوزه، خوفا من أن ينقلب السحر العباسي ضد غزة على الساحر الإسرائيلي المحترف في توقيت غير ملائم لهذا الساحر.
أما يبقى الاحتمال الثاني راجحا، وعليه فإن الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة تنبع عن قرار انفرادي لمحمود عباس لدوافع شخصية، أهمها:
1ـ التحضير للقاء ترامب المرتقب من خلال تقديم قربان كبير له، أو كما وصفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، هذه الإجراءات تمثّل "المَهر" الذي يحمله عباس معه إلى واشنطن. هنا الهدف الأساسي هو محاولة محمود عباس كسب ود الرئيس الأمريكي وإثبات الذات بأنه الأقدر في مواجهة المقاومة الفلسطينية من أي شخص آخر، في ظل تزايد الحديث عن مطالبات عربية للرئيس الأمريكي بضرورة استبدال محمود عباس بمحمد دحلان.
2ـ إرغام حركة حماس على القبول بشروط السلطة، سعيا من عباس لاستعادة جزء من شوكته الضائعة لدفع الخطر الدحلاني الداهم. هنا المتوقع أيضا أن لا تتجاوز قرارات الرئيس الفلسطيني وإجراءاته حدودا معينة.
في الحالتين، نجد أن الكابوس الدحلاني حاضر في دوافع رئيس السلطة الفلسطينية ويطارده. هنا يغفل محمود عباس حقيقة مهمة، هي أن إجراءاته هذه، على الأغلب لا تحقق ما يرنو إليه، بالتالي سيكون محمد دحلان المستفيد الأول ومحمود عباس المتضرر الأول مما يفعله ضد غزة. هنا الذي يستوقف الانسان أنه ربما دول عربية دفعت الرئيس الفلسطيني إلى هذه الورطة لتحقيق مكاسب لصالح محمد دحلان على يد خصمه عباس.
خلاصة القول إن قطاع غزة بمثابة برميل بارود، لم يعد يحتمل الحصار الإسرائيلي الذي شددته السلطة الفلسطينية بإجراءاته الأخيرة، ففي أي لحظة قد تنفجر الأوضاع في كل الاتجاهات. كما أن هذه المنطقة عصية على أن تكسرها سلطة مكسورة.
بقلم: صابر كل عنبري