الوقت- جدّد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس التزام بلاده بأمن الكيان الإسرائيلي. تجديد العهد الأمريكي جاء في سياق الزيارة التي أجراها الوزير ماتيس إلى منطقة الشرق الأوسط، و"الکیان الإسرائيلي" وهي الأولى له منذ تعيينه في إدارة ترامب.
وما بين الوعود التي أطلقها ترامب، والتجديد الذي ظهر على لسان وزير الدفاع الأمريكي خلال لقائه نظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، هناك تحوّل واضح في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي تتّجه من ردّة الفعل إلى الفعل.
لا يختلف اثنان على أهميّة الكيان الإسرائيلي في المعادلة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وفي حين يعتقد البعض أن واشنطن لا تراعي المصلحة الإسرائيلية عندما يتعلّق الأمر بالمصلحة الأمريكية نفسها، هناك قناعة لدى كثيرين أن المصلحة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تُبنى على أساس المصلحة الإسرائيلية لا العكس، وذلك عبر اللوبي الصهيوني في واشنطن الذي يعدّ نافذاً في العديد من مراكز صنع القرار وفي مقدّمتها التشريعية في الكونغرس بشقيه الشيوخ والبرلمان.
المطالبات الإسرائيلية ارتفع سقفها مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، حيث عمدت واشنطن إلى رفع مستوى الاستيطان، فضلاً عن نجاحها في تحقيق جملة من الأهداف على الصعيد الفلسطيني وذلك عبر إخراج القضيّة من الرباعيّة الدوليّة، وحصرها بالجانب الأمريكي الذي سيعمد إلى عقد مؤتمر إقليمي، بدل المؤتمرات الدوليّة التي ألزمت الكيان الإسرائيلي بالكثير من التعهدات الغير قادرة على مراعاتها وفي مقدّمتها المبادرة الفرنسيّة المتمثّلة بالعودة إلى حدود عام 1967م بين "الکیان الإسرائيلي" والدولة الفلسطينية المستقبلية.
إلا أن التطوّرات الإقليمية من ناحية، ووصول رئيس صهره يهودي من ناحية أخرى، دفع بالكيان الإسرائيلي للتقدّم خطوة إضافيّة إلى الأمام عبر الضغط على إدارة ترامب للانتقال من سياسة ردّ الفعل التي كانت قائمة في حقبة أوباما إلى سياسة الفعل والمبادرة كما حصل في قاعدة الشعيرات السوريّة، والتي انطلقت منها الصواريخ السوريّة نحو الطائرات الإسرائيلية الشهر الماضي.
نستبعد أن ينجح الكيان الإسرائيلي في الزجّ بواشنطن وفق إرادة نتنياهو، رغم أنّ هذا الأمر قد لا يخلو من بعض "الخروقات" التي تتحقّق فيها الرؤية الإسرائيلية، إلا أن هذا لا يلغي أبداً كون المصلحة الإسرائيلية منطلقاً لأي تحرّك أمريكي في المنطقة، ولعل التجاهل الإسرائيلي للطلب الأمريكي بوقف الاستيطان مؤقتاً، دون الخشية من تعكير صفوة هذه العلاقات التي يلعب فيها صهر ترامب، وموفده إلى الشرق الأوسط دوراً رئيسيّاً، أحد هذه النماذج، فضلاً عن التناغم القائم حاليّاً بين الإدارة الأميركية والكيان الإسرائيلي في ظل مساعي الأخيرة الرامية إلى تجريم التقديمات المالية التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعوائل الشهداء والأسرى القابعين في سجون الاحتلال.
وعندما نتحدّث عن المصلحة الإسرائيلية، لا يقتصر الأمر على العلاقات مع الفلسطينيين والأزمة السوريّة التي تعدّ احد الهموم الإسرائيلية اليوم نظراً للوضع القائم في الجولان، بل يتعدّاها الأمر إلى حزب الله في لبنان، والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وهي التي ظهرت على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء استقبال نظيره الأمريكي عندما قال: "ليس هناك شك في أن المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا وحول العالم هي محور الشر المتمثل في كوريا الشمالية وإيران وسوريا وحزب الله في بيروت "، وأضاف: "العنوان الرئيسي في هذه السلسلة هو إيران التي تحاول تقويض الاستقرار في كل منطقة الشرق الأوسط، في اليمن، العراق، سوريا، لبنان، وبالطبع ضد إسرائيل من خلال وكلاء لهم".
لا ريبّ أن ذكر ليبرمان لكوريا يأتي في سياق مراعاته لضيفه الأمريكي، لأن بيت القصيد الإسرائيلي اليوم في التحديّات يتراوح بين طرفين إيران وحزب الله.
فيما يتعلّق بحزب الله، تعدّ واشنطن مشروع عقوبات جديدة تستهدف الحزب، وذلك بعد تشديد العقوبات خلال الفترة الماضية التي أفضت إلى اعتقال قاسم تاج الدين في المغرب ونقله إلى واشنطن. أيضاً، تُبدي واشنطن اهتماماً سياسيّاً واضحاً بالملف اللبناني، بل أبعد من ذلك، وهو ما نتج عنه وضع السفيرة الأمريكية إليزابيث ريتشارد قبل أيّام حجر أساس للسفارة الأميركية الجديدة في بيروت، أو بالأحرى مجمّع السفارات على مساحة 43 فدانا (174 ألف متر مربع)، وبتكلفة مليار دولار.
وأما فيما يتعلّق بإيران، يبدو واضحاً التوجّه الأمريكي الجديد حيال طهران حيث يحاول ترامب المناورة على الملف النووي، والانتقال نحو الملف الصاروخي، فضلاً عن السعي الأمريكي الجديد للحدّ من الدور الإيراني الإقليمي، وهذا ما كان محّط إعجاب القيادة الإسرائيلية التي علّقت عبر ليبرمان على نهج إدارة الرئيس الأمريكي خلال الـ100 يوم الأولى في السلطة بالقول:نحن راضون جداً".
لم يكن الرضا الإسرائيلي على الفترة الأولى لترامب ليحصل لولا التغيّر الواضح بين نهجي أوباما وترامب، حيث هناك توجّه إسرائيلي واضح لنقل السياسة الأمريكية من ردّة الفعل إلى الفعل، وذلك بعد أن بدت تل أبيب عاجزةً عن المبادرة في المنطقة، عدا بعض الضربات التي تستهدف قافلات عسكريّة في سوريا، حصلت على إجابتها العسكريّة في المرّة الأخيرة.