الوقت- إن ما يجري في أمريكا يدل على حجم الخطر الذي يهدد كيانها الداخلي، وهو ما يمكن وصفه بحالة النزول للنظام السياسي الأمريكي بعد صعودٍ وصل للقمة منذ سنوات. ولعل أخطر ما يجري هو ظهور حركاتٍ تهاجم وتناهض الرئيس الأمريكي صراحةً وهو ما لم تكن تشهده البلاد من قبل. وهنا يجري الحديث عن قدرة الحکومة الأمريكية على الصمود أمام هذه التحديات الداخلية الجديدة بنوعها. فحركة حزب الشاي والتي أخذت تفعل نشاطها مؤخراً خصوصاً في الولايات الجنوبية، هي مثالٌ صارخٌ على ذلك. فما هي هذه الحركة؟
إن حركة الشاي، هو مصطلح سياسي- ثقافي ظهر وتطور في أمریكا في إطار حركات اجتماعية وسياسية ترفض تدخل الحكومة الفيدرالية في كل صغيرة وكبيرة، وتشعر بعدم الثقة في أن تتحول الحكومة الفيدرالية إلى "أخ أكبر" يدير العلاج في المستشفيات والمدارس والاقتصاد والصناعة. ومع أن حفلات الشاي أو بمعنى أصح "حزب الشاي" ظهر بقوة على المسرح السياسي الأمریكي خلال الأعوام القليلة الماضية وأصبح له مؤيدون بالملايين، خصوصا لأنه ينأى بنفسه عن الحزبين الكبيرين، فإن جذوره كحركةٍ احتجاجية اجتماعية، تعود إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر عندما ثار الأمریكيون على نظام الضرائب المفروض آنذاك وكانت هذه بداية حرب الاستقلال في أمریكا.
وكان الأسبوع الماضي، أسبوع "تي بارتي" أو حزب الشاي في واشنطن وتظاهر مؤيدوه أمام الكونغرس، وشنوا هجوماً على الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري، ناهيك عن الحزب الديمقراطي والرئيس باراك أوباما وأعلنوا توسيع نشاطهم، إذ أعلنت فرجينيا توماس، زوجة كلارنس توماس، قاضي المحكمة العليا، تأسيس منظمة "ليبرتي سنترال" أي مركز الحرية، كفرع من فروع "حزب الشاي" والذي بات أكبر الحركات الشعبية في أمریكا نفوذاً وانتشاراً. وهنا يأتي السؤال، لماذا تأسست هذه الجماعة وما هي؟
حزب الشاي، جماعة شعبية ظهرت بقوة على المشهد السياسي الأمریكي بعد الأزمة الاقتصادية الهائلة التي شهدتها أمریكا عام 2009 والتي استدعت تدخلاً حكومياً غير مسبوق في الاقتصاد وذلك عبر برنامج حزمة الإنقاذ الاقتصادي التي أقرتها الحكومة لدعم البنوك والشركات التي كانت على وشك الإفلاس. أما الانتشار الواسع والسريع الذي عرفته الحركة فيعود إلى استخدامها الكبير لوسائل التكنولوجيا الإلكترونية للترويج لنفسها. كما سوقت لنفسها عبر الصحف والمجلات القريبة من معسكر المحافظين في أمریكا. وقد يرى البعض أن هذه الحركة هي حركة معارضة تنمو وسط الطبقة الوسطى الأمریكية، احتجاجاً على تدخل الحكومة الفيدرالية في إدارة الاقتصاد والرعاية الصحية والنظام المالي. لكن الكثيرين يرون أن الحركة هي بالحقيقة خطر ضمني قد يهدد الكيان الأمريكي الداخلي، لقدرتها على نزع جزءٍ من شرعية الحكومة المنتخبة. وهو ما يشير إليه حجم التظاهرات والاحتجاجات والأنشطة المعادية للحكومة الفيدرالية التي ينظمها المنتمون إلى الحركة، والتي تتكون غالبيتها من مواطنين ينتمون للطبقة الوسطى، فيما أن 1% من أعضاء الحركة هم من السود. فماذا في نشاطها المؤثر؟
إن هذه الحركة تعمل بسياسة يمكن تلخيصها بالتالي:
- تشن الحركة هجوماً شديداً على الرئيس أوباما، ولا تتهمه فقط بالليبرالية أو التقدمية بل تتهمه بالاشتراكية كما يقول الجناح اليميني في الحزب، إن أوباما شيوعي خفي !!
- تتفق منظمات حركة حزب الشاي على نقد الجناح المعتدل في الحزب الجمهوري. وهذا هو الجناح الذي يقوده السيناتور جون ماكين وهو الذي ترشح في سنة 2008، لرئاسة الجمهورية، وسقط ضد أوباما. فهي تتهم الجناح المعتدل بأنه يريد التعاون مع قادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس لإصدار قوانين "معتدلة" ترضي الحزبين.
- تسعى الحركة لدعم كافة الحريات وبالتحديد مهاجمة تقييد حريات الشركات، كشركات الاستثمار والتي بسبب أخطائها حصلت الأزمة الاقتصادية الحالية في أمريكا. وكذلك تدعم شركات التأمين الصحي رغم استغلالها الواضح للمرضى. وتتفق على منع زيادة الضرائب، خاصة على الأغنياء، اعتمادا على فلسفة أن الأغنياء يقدرون على زيادة الإنتاج الاقتصادي أكثر من الحكومة. وتتفق على عدم التساهل في ما يسمى الحرب ضد الإرهاب.
لذلك ومن خلال هذه السياسات نجد أن الجامع المشترك لها هو العنصرية مما يجعلها مثلاً لحركةٍ تنفيذية قد تكون تقودها الصهيونية العالمية. وإلا فلماذا نشاطها المتصاعد حالياً على الرغم من أنها موجودة منذ زمن؟ وهو الأسلوب الصهيوني المعتمد في إيجاد حركاتٍ قد تؤرق المسؤولين عندما يسيرون في نهجٍ لا تحبذه القيادة الإسرائيلية. ولعل إدارة أوباما تعد من هذه الطبقة. فشعارات الحركة العنصرية والفاسدة، تدل على حجم ارتباطها باللوبي الصهيوني المتغلغل أصلاً في الكيان الأمريكي. وهنا يأتي السؤال الأهم: هل يمكن أن تشكل هذه الحركة بداية الخطر على الكيان الداخلي الأمريكي وانهياره؟