الوقت - صحيحٌ أن الإنفجار، إرهابي. لكنه لم يستطع التأثير على العزم الروسي والصلابة الواضحة لمدينة القياصرة. بل إن ردة الفعل الروسية التي اتصفت بالمهنية، كانت أقوى من الحدث، ولم تنجر لإستغلال الحدث والترويج له، كما يفعل الغرب عبر الحديث عن خطر "الإسلاموفوبيا" المُصطنعة. فيما اكتفت روسيا بإعلانها المعلومات الأولية، والبدء بالتحقيق، وإظهارها المضي في الحرب على الإرهاب. وهنا فليس غريباً حدوث إنفجارٍ في روسيا التي كان لها دورٌ حقيقيٌ في ضرب الإرهاب في سوريا. فيما يجب تسليط الضوء على عدد من المسائل الأخرى، والتي تتعلق بالحدث وتداعياته. فماذا في المعلومات حول التفجير؟ وما هي دلالات ذلك؟ وكيف يمكن تحليل الحدث وردة الفعل الروسية؟
المعلومات حول التفجير الإرهابي
يمكن سرد المعلومات كما يلي:
- عشرة قتلى وخمسون مصاباً، هي الحصيلة الأولية للتفجير الإرهابي الذي ضرب سانت بطرسبرغ الروسية أمس.
- وقع الإنفجار داخل العربة الثالثة للقطار بين محطتي "تيخنولوغيتشيزكي إينستيتوت" و"سينايا بلوتشاد"، فيما عثرت وكالات الأمن على عبوة ناسفة في المحطة نفسها.
- بحسب المعلومات فإن قوة التفجير كانت تساوي نحو 200-300 غرام من مادة "تي إن تي".
- أكدت السلطات الروسية منذ اللحظة الأولى للإنفجار أنه عمل إرهابي حيث أن القنبلة التي انفجرت كانت صناعة محلية بدائية، ومليئة بالشظايا المعدنية لإيقاع أكبر عدد من الضحايا.
الدلالات والتوقيت
يمكن الوقوف عند عددٍ من الدلالات والتي تُعتبر مهمة للتحليل. نُشير لها فيما يلي:
أولاً: في حين تقوم روسيا بشن غارات جوية كبيرة على مناطق الإرهابيين في سوريا، فقد قامت الطائرات الروسية بأكثر من مئتي غارة خلال اليومين الماضيين على مدينة إدلب، استهدفت خلالها مقرات الجماعات الإرهابية.
ثانياً: لم يكن التوقيت صدفة، حيث تم اختيار المدينة التي كان يُجري فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً مع رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو، وفي نفس المدينة.
ثالثاً: يُعتبر تفجير أمس الأخطر منذ تفجيرات مترو موسكو في 2010. فيما يجب الوقوف عند الترويج الإعلامي الغربي والذي بدأ منذ أيام، ويتحدث عن "الربيع الروسي".
التحليل: روسيا أقوى من الإرهاب!
عدة مسائل يمكن الخروج بها كنتيجة لما تقدم، نُشير لها فيما يلي:
أولاً: إن طبيعة الإستهداف ليست بعيدة عن الجماعات الإرهابية أي التنظيمات مثل القاعدة والنصرة وداعش، بالإضافة الى الأسلوب. فيما يمكن القول أنها تقع في خانة العمل الإنتقامي والتخريبي.
ثانياً: يمكن وضع ما جرى في خانة محاولة الجماعات الإرهابية تحقيق انتصار معنوي ضد العدو الروسي الذي استطاع هزيمتها في سوريا. في حين يجب القول أن الإستهداف الذي حصل أمس، يختلف عن استهداف الدول الغربية، ليس من ناحية كون كافة هذة الأعمال إرهابية، بل لأسباب تتعلق بالسلوك الروسي الصادق والجدي في الحرب على الإرهاب، وهو ما يُناقض النفاق الغربي في التعاطي مع ملف الإرهاب.
ثالثاً: يجب الوقوف عند ردة الفعل الروسية والتي أتسمت بالثبات والمهنية، دون التطرق الى أي موضوعات أو استغلال الحدث للترويج لمصالح سياسية داخلية أو خارجية. وهو ما يحصل في الغرب عادة، حيث تقوم الأطراف السياسية بإستغلال الحدث وإدخاله في بازار الإنتخابات والترويج للخطر المُصطنع "الإسلاموفوبيا".
رابعاً: لا يجب فصل ما جرى، عن محاولات الترويج الغربي لما يُسمى "الربيع الروسي"، وعن محاولات توتير الجبهة الروسية داخلياً. في حين لا يبدو أن الهدف المنشود سهل المنال. خصوصاً أن روسيا لم تكن بعيدة عن التهديدات، وهي تقع في صلب الصراع الجدي ضد الإرهاب منذ عشرين عاماً. كما أن التفجير ليس الأول من نوعه الذي يطالها.
خامساً: تُعتبر روسيا مُنتصرة في معركة الحرب على الإرهاب، حيث أن ما يحصل، هو أقل بكثير مما كان ليحصل، لولا تنسيق الجهود المشتركة بين روسيا والدول الحليفة لها لا سيما إيران وسوريا من أجل خلق سياسة وقائية. وهو أنتج إمكانية التخفيف من الخطر الإرهابي الذي كان ليضرب روسيا، في ظل الحديث عن وجود اكثر من خمسة آلاف مقاتل من منطقة القوقاز يقاتلون حالياً في صفوف تنظيم داعش الإرهابي، ومعظمهم من منطقة الشيشان وداغستان.
سادساً: إن أهداف العمل الإرهابي، ومهما كانت، محكومة بالفشل. وذلك لأن ما جرى، سيأتي بنتائج مُعاكسة على روسيا على الصعيدين المحلي والدولي. حيث سيُساهم ذلك في تعزيز موقف الرئيس الروسي أكثر وبالتالي تفعيل الإحتضان الشعبي الذي يتمتع به، كما سيدعم رؤيته الدولية للحرب على الإرهاب.
إذن خرجت روسيا من تداعيات الإنفجار الإرهابي مُنتصرة. وقف زعيمها فلاديمير بوتين ليتحدث بصلابة ومهنية عالية دلَّت على قدرةٍ عالية في احتواء الموقف. ولم يكن كبعض الزعماء الغربيين أشباه الرجال، الذين يختبؤون بعيداً عن الحدث، أو ينقلون الحدث نحو بازار المصالح الداخلية والخارجية البعيدة عن مصلحة الشعوب والأقرب الى إستغلال المواقف مادياً. نجحت روسيا في إقفال العمل الإرهابي كما أرادت. وليس ما جرى إلا، نتيجةٌ لمعركة ضمن حربٍ طويلة مع الإرهاب.