على الرغم من أن القمة لم تكن بعيدة عن الأراضي الفلسطينية، حيث اجتمع المسؤولون العرب على مشارف البحر الميت بالقرب من فلسطين جغرافياً، لكنهم كانوا بأغلب مواقفهم وتبنياتهم وطروحاتهم، بعيدين عنها. حيث أن الترويج لمسألة القضية الفلسطينية كموضوعٍ أساسي، كان لمجرد الإعلام. فيما بانت حقيقة المواقف العربية، والتي غازلت أمريكا عبر تبنيها الواضح لمواقف الإدارة الأمريكية الجديدة من مسألة حل الدولتين الى مسائل أخرى. فيما يمكن القول أن عناوين القمة، وُضعت تحت إطار تبني مواقف واشنطن على حساب شعوب المنطقة. فماذا في التوصيات التي خرج بها إعلان عمان؟ وما هي أهم مفاجآت القمة؟ وكيف يمكن تحليل نتائجها؟
إعلان عمان وتوصيات القمة العربية
يمكن ذكر أهم ما أعلنته القمة فيما يلي:
أولاً: الإستعداد لتحقيق مصالحة تاريخية مع الكيان الإسرائيلي عبر دعم محادثات السلام الفلسطينية الهادفة لإقامة دولتين مقابل انسحابه من أرضي 1967!
ثانياً: دعم الحل السياسي لإنهاء الأزمة السورية بما يحفظ وحدتها، والتأكيد على عدم وجود أفق للخيار العسكري في حل الأزمة.
ثالثاً: تثمين إنجازات الجيش العراقي في حربه ضد الإرهاب والتأكيد على أمن العراق ووحدة أراضيه.
رابعاً: دعم الحكومة الشرعية في اليمن وتنفيذ القرار الدولي 2216، وكذلك دعم تحقيق الإستقرار السياسي في ليبيا من خلال المصالحة، ودعم حوار داخلي ليبي تدعمه الأمم المتحدة.
خامساً: دعم جهود مكافحة الإرهاب والإعراب عن القلق إزاء تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، ورفض كل التدخلات في الشؤون الداخلية للدول العربية!
سادساً: إدانة أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المسلمين في مينمار، والصمت الدولي تجاه ذلك.
سابعاً: دعم إقامة منطقة التجارة الحرة العربية، والتأسيس للعمل العربي المشترك.
أهم غرائب ومفاجآت القمة العربية!
لم تخلُ القمة من مفاجآت وطرائف وغرائب نُشير لبعضها في التالي:
أولاً: استهلت الممثلة العليا للإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية "فيدريكا موغيريني" كلمتها أمام القمة العربية في الأردن بعدة جمل باللغة العربية، عبَّرت فيها وبثقة عن شكرها العميق للدعوة التي وجهها لها قادة الدول للحضور فيما بينهم.
ثانياً: فوجئ القادة العرب بقرار إلغاء الملك المغربي لمشاركته في القمة العربية خصوصاً أن نظيره الأردني توجه الى المغرب الأسبوع الماضي ليقنعه بالمشاركة. الأمر الذي توقفت عنده العديد من المصادر.
ثالثاً: كان الممثل الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المفاوضات الدولية "جايسون غرينبلت" الأكثر حركة ونشاط في القمة، حيث التقى عدداً من الوزراء العرب. فيما إتصفت مشاركة عددٍ من الرؤساء العرب بمجرد الإستماع أو أخذ القيلولة!
أهم دلالات إعلان عمان ومجريات القمة
عدة مسائل يمكن وضعها في خانة التحليل وتجدر الإشارة لها كالتالي:
أولاً: لم تخرج مقررات القمة العربية عن الخطاب العادي للدول العربية منذ سنوات. فيما جاء الإعلان النهائي أسرع من المتوقع، حيث لم تُلقِ عدد من الدول العربية كلماتها، وهو ما لم تُحدد أسبابه الواضحة، والتي أعاداها المحللون الى الخوف من خروج البعض عن الإجماع العربي الذي تهدف القمة لتحقيقه ولو شكلياً!
ثانياً: في محاولة للملمة الواقع العربي، عُقدت قمة ثنائية بين العاهل السعودي والرئيس المصري، أدت الى الإعلان عن زيارات متبادلة خلال الشهر المُقبل. في حين حاول وزير خارجية السعودية التأكيد على أن تفسير الخلاف بين الطرفين كان مُبالغاً فيه خصوصاً فيما يتعلق بوجهات النظر في سوريا. وهو ما نُشير الى أنه يأتي متأخراً وليس عن رضا، بل لأن الأمور في سوريا خرجت عن رهانات البعض وباتت واضحة المسار.
ثالثاً: اعترف أمين عام الجامعة العربية بحالة الوهن العربي. حيث بدت كلمته دقيقة في توصيف حالة العرب المتشرذمة مُتحسراً على عدم كون العرب أهلاً لإدارة الملفات الخاصة بهم لا سيما الملف السوري. في حين حاول تحميل الفلسطينيين مسؤولية صعوبة حل قضيتهم!
رابعاً: بناءاً لما تقدم، كانت مواقف القمة مجارية وبشكل واضح، للسياسة الأمريكية الجديدة. حيث تلتقي مواقف هذه الدول، مع الخطة الأمريكية التي يسعى دونالد ترامب لتنفيذها. فيما كان المطلوب من القمة تمهيد الطريق لها.
خامساً: يبدو واضحاً أن الأردن، والذي بقي بعيداً عن أزمات المنطقة بشكل علني، قرَّر الخروج الى الواجهة عبر دورٍ جديد، يتمثَّل بحياكة حلفٍ مذهبي، خدمة للمشروع الأمريكي، الأمر الذي تؤكده محاولات التوفيق بين مصر والسعودية ناهيك عن الحفاوة التي ميَّزت استقبال وإقامة العاهل السعودي. فيما من المُقرر أن يزور ملك الأردن أمريكا خلال الفترة المقبلة.
سادساً: إن الثمن الذي دفعته مصر من أجل العودة الى الحاضنة الأمريكية كما يبدو، كان توجيه السيسي للرئيس الأمريكي رسالة ودية حملها خطابه تضمَّنت التهويل بالخطر الإيراني، والذي لا يمكن أن يكون مفاجئاً بعد أن ساهم السيسي نفسه في سحب مشروع مصر لدى مجلس الأمن والمُقدَّم ضد الإستيطان الإسرائيلي منذ فترة. كل ذلك من أجل الرئيس ترامب ولو جاء على حساب القضية الفلسطينية ومشاعر الشعوب العربية والإسلامية.
سابعاً: كان واضحاً وجود خلاف بين الدول العربية وتحديداً الخليجية حول الموقف من إيران، وهو ما تبيَّن لدى مواقف البعض سراً أو علانية. لا سيما بعض وضوح التوجهات الرسمية لعدد من الأطراف الإقليمية كالكويت وسلطنة عمان ولبنان.
إذن خرجت القمة العربية بما هو معروف سابقاً. فليس صحيحاً أن القادة العرب هم أسياد أنفسهم. بل ما زالوا يسيرون وفق أجندة واضحة تسعى لإعادة الإعتبار للحليف الأمريكي الذي لا يمكن لهم أن يستمروا دونه. ولو كان ذلك على حساب الشعوب العربية والإسلامية. كل ذلك كُرمى لعين الإدارة الأمريكية الجديدة!