الوقت- لا شك أن الجالية اليهودية هي من الجاليات التي نحترمها ونُقدَّرها. لكن يبدو أن الصهيونية بدأت تحويلها الى ضحية ألاعيب معروفة الأهداف وواضحة المعالم. وبعيداً عن النقاش فيما إذا كان لليهود مصلحة في ذلك أو لم يكن، فإن المُخطَط الصهيوني القاضي بالحشد لحماية أبناء العم سام، يبدو جلياً فيما يحصل في أمريكا وغيرها من الدول التي يُروَّج فيها لتعرُّض اليهود للتهديد. لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه اليوم، يتعلق بسبب ما يجري والحقيقة وراء ذلك. كما تُطرح العديد من التساؤلات حول المستفيد والضحية. فهل تُعبر الحقائق عن تهديد فعلي يطال أمن اليهود؟ وهل للإدارة الأمريكية مصلحة في ذلك أم ماذا؟ وما هي مصلحة أمريكا والكيان الإسرائيلي مما يجري؟
مراكز لليهود في أمريكا تتلقى تهديدات!
تلقت مجموعة من مراكز الجالية اليهودية في أمريكا تهديدات بتفجيرها أُرسلت عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني ما أدى إلى إخلائها وإغلاقها. الأمر الذي دفع السلطات الإتحادية الأمريكية لفتح تحقيقات في هذا الصدد. وتلقت المراكز اليهودية التهديدات عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني في ولايات منها نيويورك وويسكونسن وفلوريدا مساء الاثنين وصباح الثلاثاء. وقالت مراكز في تورونتو في كندا أيضاً وأماكن أخرى في أونتاريو أنها أيضا تلقت إنذارات.
السلطات الأمريكية تتحرك
على الصعيد الرسمي تسببت موجة جديدة من التهديد بتفجير مراكز للجالية اليهودية في أمريكا بقيام أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المئة، بالطلب من الحكومة الإتحادية المساعدة في تعزيز أمن تلك المراكز. حيث وقعوا خطاباً أرسلوه لكبار مسؤولي الأمن في البلاد، أي وزير الأمن الداخلي "جون كيلي" ووزير العدل "جيف سيشنز" ومدير مكتب التحقيقات الإتحادي "جيمس كومي"، يطلبون فيه تقديم العون والحماية للجماعات اليهودية. وكانت قد بدأت السلطات الإتحادية الأمريكية تحقيقاتٍ في التهديدات الموجهة للمنظمات اليهودية. حيث أبرزت حصول أكثر من 100 إنذار كاذب بالتفجير، في خمس موجات منفصلة في كانون الثاني وشباط استهدفت مراكز يهودية في عشرات الولايات. من جهتها منحت لجنة الإتصالات الإتحادية الأمريكية تنازلاً طارئاً ومؤقتاً للمراكز اليهودية وشركات الإتصالات التي تخدمها للمساعدة في تعقب المتصلين الذين يوجهون تهديدات لهذه المراكز.
من الضحية، عهد دونالد ترامب أم يهود أمريكا؟
في وقتٍ يجري فيه إظهار اليهود وكأنهم ضحية، يجب الإشارة الى أن لما يجري العديد من الأهداف والتي قد تبدو متكاملة أو متناقضة. فيما يمكن الوقوف عند عدة أمور قبل التحليل، نشير لها في التالي:
أولاً: إن كل ما يجري هو محاولة لإظهار العداء ضد السامية، وهو ما يخدم الحشد العاطفي والإنساني ضد اليهود في العالم. أما لماذا يهود أمريكا، فلأنهم الأكثر في العالم.
ثانياً: ليس واضحاً حتى الآن من هي الأطراف التي تقف خلف هذه التهديدات وهو ما يُعد فشل ذريع للنظام الأمني الأمريكي إذا كان ذلك صحيحاً. في حين يدخل كل ما يجري في خانة الترويج للتهديدات إعلامياً ونسج القصص الأمنية المتعلقة باستخدام الهواتف والبريد الإلكتروني للتهديد. وهو ما يُعد أمراً بسيطاً يمكن تعقبه ومعرفة مصادره من قبل المتخصصين في مجال الأمن المعلوماتي والإلكتروني، مما يطرح العديد من التساؤلات. فهل تنجو فعلاً واشنطن عن ذلك؟
ثالثاً: تسعى الأذرع الخفية للصهيونية، للضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة. حيث كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن ردود الأفعال الإسرائيلية فى الأشهر الأخيرة والتى أعربت عن غضب اليهود تجاه ما يحدث فى أمريكا، موجهةً انتقاداً لاذعاً لردة فعل الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته بشأن الأحداث والتي اعتبرتها جزء من عملية معاداة السامية.
رابعاً: جاء الزخم الإعلامي في الإعلان عن الأحداث وتهديد اليهود في أمريكا بعد أن توالت ردود الأفعال الإسرائيلية المُستنكرة لما يحدث فى البيت الأبيض بشأن ذكرى الأحداث النازية، حيث وفي رسالة البيت الأبيض التى يعلنها عادة بهذه المناسبة خلال شهر كانون الثاني، لم يتم التطرق تجاه ما يعتبره الإسرائيليون فظائع ارتكبها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية ضد اليهود، وهو ما قوبل بسخط إسرائيلي عارم، لم يخرج الى العلن.
من المستفيد مما يجري؟
لا شك أن لما يجري مستفيدون خلف كواليس التخطيط. لكن القراءة الواقعية للأحداث، والقدرة على الجمع بينها وبين الطريقة الصهيونية في التخطيط، يمكن لحاظ التالي:
أولاً: على الصعيد الدولي يمكن لما يجري أن يخدم السياسة الأمريكية الحالية الهادفة لدعم الكيان الإسرائيلي بشكل تجاوزت فيه واشنطن حدود المنطق السياسي. حيث أنها باتت داعمة للطرف الإسرائيلي دون إيجاد مبررات لذلك على عكس السياسة الأمريكية المُعتمدة سابقاً. في ظل واقع يشجب التوسع الإستيطاني الإسرائيلي والتوجه الى السياسات المتطرفة في الأراضي الفلسطينية.
ثانياً: تسعى تل أبيب من خلال ما يجري للحشد العاطفي في محاولة لتوحيد يهود العالم وجعل التفافهم حول قضاياهم المشتركة والتي تعود بالفائدة على الكيان الإسرائيلي لا سيما اعتبار أن "اسرائيل" المزعومة هي ملاذهم. خصوصاً في ظل صراع إسرائيلي فلسطيني له أبعاد دينية، يُعتبر أحد نماذجه تقسيم الأقصى ومنع الآذان والذي لاقى شجباً إسلامياً. الأمر الذي يدفع للحاجة لمُحرك أيديولوجي يؤثر باليهود في العالم.
ثالثاً: على الصعيد المحلي الأمريكي قد يخدم ما يحصل، سياسة التعتيم على الفضائح التي تطال العهد الأمريكي الجديد عبر إشغال الرأي العام الأمريكي بهذه الترويجات التي قد تلقى تعاطف الشعب الأمريكي كونها ذات طابع إنساني. خصوصاً بعد أن وصلت الأمور الى حد الحديث عن قلق على مستقبل النظام السياسي والإجتماعي في أمريكا.
رابعاً: على الصعيد الداخلي الإسرائيلي يمكن للكيان الإستفادة مما يحصل لتقديم صورة عاطفية تُغطي على الأزمات التي تعاني منها تل أبيب لا سيما التي تتعلق بالأزمات الإجتماعية وحالة التمرد الإسرائيلي الذي يقوم به المستوطنون ضد الحكومة ومسؤولي الكيان.
إذن يتكامل الدور الأمريكي الإسرائيلي مرة أخرى. ما يحصل ليس بجديد. لكنه يُعبِّر عن حالة الوهن لدى الطرفين الأمريكي والإسرائيلي. الوهن الذي لا يمكن أن يُعيد تحريكه إلا الحشد العاطفي ولو من خلال نسج قصص بوليسية أو أحداث خيالية.