الوقت- في مقال له في صحيفة الاخبار كتب "ابراهيم الامين" ان هناك أسباباً كثيرة عرضت لمحاولة تفسير حماقة آل سعود في شن العدوان الهمجي ضد اليمن وشعبه، لكننا جميعاً غرقنا في البحث عن الاسباب المتصلة بنفوذ النظام السعودي خارج حدود سلطته المباشرة ولم نتوقف جيداً عند اسباب ومحفزات اضافية، لا تقل اهمية، تتعلق بالوضع الداخلي، وبشعب الجزيرة العربية، وبالواقع السياسي القائم، وبمنظومة الحكم المستبدّ من قبل سلالة القهر والتخلف التي تحتجز اكثر من عشرة آلاف سجين من اعضاء التيارات السلفية المعارضين لها، ومئات من الناشطين الذين خرجوا في تظاهرات في المنطقة الشرقية، وفي مقدمهم المناضل الشيخ نمر النمر.
ويقول الأمين: في الجانب الخاص بواقع السلطة، فإن صعوبات تواجه العائلة في إعادة إنتاج النظام. صحيح أن المعارضات ليست بحجم يمثل تهديداً وشيكاً او كبيراً، لكنها مثّلت على الدوام الإشارات القوية إلى مشكلات بنيوية يعانيها النظام، بسبب الايغال في سرقة الثروات والعمل تحت امرة الغرب الاستعماري، وتشديد القبضة الامنية على الناس، وفرض آليات متخلفة من العلاقات بالناس هناك. وفي كل مرة، يجد أهل الجزيرة أنفسهم في مقارنة بلدهم وحكومتهم بدول الجوار والإقليم، يرون أنفسهم في مشكلة مع النظام الحاكم، وخصوصاً أن فترة ولاية عبد الله حتى وفاته، ومنذ ان أقعد المرض الملك السابق فهد، كانت فترة الهروب من استحقاقات التغيير الجدية.
وكانت الحيلة باللجوء إلى إنفاق مالي من دون خطط علمية وجدية، ومن دون آليات رقابة، مقابل الإطباق على كل تغيير من شأنه تعزيز تمثيل الناس في مؤسسات الحكم، وهو أمر ترافق مع اشتداد الخلافات داخل الأسرة نفسها. إلى أن جاء الملك الحالي سلمان، ليقوم بانقلاب أطاح فيه بكل من سبقه، أما من أُبقي عليهم، فكانوا إما لحيثية جدية لا يمكن تجاوزها (محمد بن نايف)، أو أُبقوا بصفة استشارية (مثل مقرن) أو وُضعوا في موقع مقيد الصلاحيات (مثل متعب ابن عبدالله). وهو تغيير ترافق مع عملية استيلاء سريعة على كل مواقع النفوذ المالي، وخصوصاً عبر تعيين الشاب المتهور محمد بن سلمان رئيساً للديوان ( حامل الختم والتوقيع على كل إنفاق إضافة إلى منصبه في وزارة الدفاع)، حتى أنه قيل إن عدم إدخال تغييرات في وزارة الخارجية، لم يكن الهدف منه إبقاء أبناء الفيصل، وإنما لإدارة السياسة الخارجية من القصر مباشرة، ربطاً بالوضع الصحي لوزير الخارجية الحالي سعود الفيصل. ومن المفيد هنا التوقف عند قول دبلوماسيين أمریكيين أن سفير آل سعود في واشنطن عادل الجبير، يتواصل مع القصر مباشرة، ويرسل تقريراً موجزاً آخر النهار إلى مكتب سعود الفيصل، علماً أن الذين يتابعون الاتصالات هذه الأيام بشأن العدوان على اليمن، من سياسيين ودبلوماسيين وشخصيات عربية، يتلمسون بقوة الاختلافات في الرأي والتقدير بين افراد المؤسسة الحاكمة.
وفي الجانب الآخر، هناك المشكلة المتفاقمة حول دور ونفوذ التيار السلفي بجانبيه، الدعوي والجهادي، فقبل نحو سنة ونصف سنة، جرى الحديث عن نقاش بين مشايخ من التيار الدعوي يركز على ضرورة رفع مستوى الخطاب والتعبئة على أساس ديني لمواجهة النفوذ المضاد، سواء من جانب التيار الجهادي أو من جانب الأعداء في الخارج، وهم في هذه الحالة يتحدثون عن ايران والشيعة. وقد وصل الأمر بعدد غير قليل من هؤلاء أن أعدوا رسالة إلى الملك، ثم عقدت اجتماعات صرفت على إثرها موازنات ضخمة لإعادة تأهيل من يتولى المنابر، إضافة إلى المدارس الدينية، وإن كان هاجس الحكم يومها دفع الجمهور إلى التقيد بمبدأ "طاعة ولي الأمر".
في المقابل، كان التيار الجهادي يشعر بأن آل سعود صاروا عقبة أمام مشروعه التوسعي، ويدرك هذا التيار أن نجاحه في احتلال مواقع نفوذ خارج الجزيرة لن تكتمل شرعيته قبل الوصول إلى بلاد الحرمين، وهو أمر تعزز من خلال حضور عشرات الآلاف من هؤلاء داخل بلاد الجزيرة وبالقرب منها، وما شن الحرب الدموية ضد هؤلاء من جانب سلطة آل سعود، إلا وجه من وجوه المواجهة حتى إن العائلة اضطرت إلى عقد صفقات مع قسم كبير منهم عندما أرسلتهم للموت خارج الجزيرة. لكن الخشية عادت للتعاظم مع الوقت، وبات الحكم يشعر بأنه في مواجهة خصم أشد قساوة، وأكثر نفوذاً وتأثيراً وحظوة من كل الخصوم الآخرين، وليس خافياً على أحد أن آل سعود عندما يتحدثون عن الخطر في الجنوب، فهم يعلنون العداء لحرکة أنصار الله والآخرين، لكن عينهم على وقف تمدد تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" الذين يتخذون من بعض مناطق جنوب اليمن مقراً رئيسياً لهم.
وجاء لآل سعود من يحرك لهم هذه الهواجس، ويقترح عليهم، أو يجعلهم يكتشفون وحدهم، أن أحد أشكال المواجهة، سواء للمشكلات الداخلية العائلية أو السياسية أو مع التيار الديني، يتمثل في خلق عصبية أو معركة ترسم معالم هوية وطنية.
واللافت أنه مع بدء العدوان على اليمن، أدارت حكومة آل سعود الماكينة الاعلامية التي جعلت المواطنين يتصرفون كأنهم أمام معركة وطنية، وهم في الحقيقة نجحوا خلال السنوات الماضية في إشاعة المناخ المؤسس لاعتبار ايران هي العدو، كما أظهرت اتجاهات الرأي العام في الأيام الأولى للعدوان أنهم نجحوا في خلق عصبية جعلت من لديه أسئلة عن العدوان يبتلع لسانه خوفاً من العموم وليس من السلطات فقط. حتى أنه لم تخرج إلى الآن أصوات جدية داخل الإطار المعلن، حول ما حققته هذه الحرب المجنونة، وإن كانت مواقع التواصل الاجتماعي تحفل بالأسئلة المباشرة عن الإنجازات. وهو الأمر الذي يعقّد المسألة أكثر، وربما يدفع الحاكم إلى المزيد من التهور في اليمن وخارجه بغية تحقيق أي إنجاز يعود به إلى أهله، أولئك الذين صدقوه وبايعوه ودعموه بجد في هذه الحفلة من الجنون.
ومع ذلك، فإن الواقعة الكبرى آتية من حيث يعرف هؤلاء عندما يكتشفون سريعاً أن العدوان لم يحقق النتائج المرجوة، وأن من ظنوه حليفاً أو خادماً عندهم تركهم وقت الحقيقة وأن الغرب نفسه يضيق ذرعاً بهم وبأفكارهم، وأن الحقيقة الوحيدة أمامهم، هي التغيير الداخلي الواسع، ومتى مارس هؤلاء العناد إياه، فستكون الجزيرة في مواجهة حالة من الفوضى المتراكمة قبل حصول الانفجار الكبير، الذي يفتح الباب أمام مهمة خلق هوية وطنية حقيقية.