الوقت- منذ تموز/يوليو الماضي لاتزال تداعيات محاولة الإنقلاب الفاشلة في تركيا حديث الساعة، والسبب لا يعود فقط إلى استمرار السياسة القمعية لأردوغان في مواجه معارضيه، بل إلى أوهامه بإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، ضارباً عرض الحائط جميع القوانين الدولية منتهكاً حقوق الإنسان، ظناً منه أنه يستطيع بذلك تحقيق مطامعه داخل تركيا وخارجها متناسياً أن العالم الحالي تحكمه قوانين جديدة لاتتناسب مع سياسته الحالية.
السياسة التي يمارسها أردوغان، تعتبر المسبب الرئيسي للخبر الذي يتم تدواله حالياً في جميع وسائل الإعلام العالمية، ومفاده أن 136 دبلوماسي تركي تقدموا بطلبات لجوء إلى ألمانيا.
حيث ذكرت وزارة الداخلية الألمانية في رد خطي على سؤال من نائب من حزب الخضر: أن "الحكومة لا تملك أرقاماً مفصلة بشأن عدد الجنود والموظفين الرسميين الذين فصلوا ودبلوماسيين وافراد عائلاتهم، لكن الحكومة الفدرالية تعلم أن 136 شخصا يحملون جوازات سفر دبلوماسية تركية قدموا طلبات لجوء".
وشكل هذا الخبر صدمة كبيرة لحكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لأنه يأتي في وقت يسعى فيه أردوغان للتحكم والسيطرة على مفاصل الدولة التركية بعد الإنقلاب الفاشل.
وقد سعى أردوغان جاهداً خلال الأشهر الأخيرة لتهدئة الأوضاع السياسية في البلاد، إلا أن الأحداث الأخيرة لاتعطي مؤشرات جيدة للشعب التركي عن الأوضاع السياسية والأمنية داخل تركيا.
لذلك فإن لجوء الدبلوماسيين الأتراك إلى ألمانيا، يعتبر أسوء خبر لأردوغان وكبار أعضاء حزب العدالة والتنمية ووزارة الخارجية التركية، هذا الخبر يتنافى مع سعى حزب العدالة والتنمية الدائم لإظهار أن الدولة مستقرة بينما هي في الحقيقة تواجه أزمات حادة داخل البلاد وخارجها.
وحتى الأن لم تدلي الحكومة التركية بأي تصريح لأي وسيلة إعلامية عن خبر لجوء الدبلوماسيين الأتراك إلى ألمانيا.
من جهة أخرى يعتقد المحللون الاستراتيجيون أن سلوك الحكومة التركية بعد الإنقلاب كان مغموساً في تصفية الحسابات السياسية والحزبية داخل الحزب الحاكم ومع الأحزاب الأخرى.
من جانبه أردوغان حتى أثناء تحالفه مع حزب الحركة القومية "الذي يتزعمه دولت بهتشلي" كان يسعى لإصلاح الدستور وزيادة صلاحيات الرئيس.
حيث أن طرد الآلاف من موظفي الدولة والمعلمين والعسكريين والدبلوماسيين والأكاديميين والقضاة الأتراك من العمل بالإضافة إلى اعتقال عشرات الآلاف من المواطنين الذين تزعم تركيا بأن لهم يد في محاولة الانقلاب الأخيرة، كل هذه الأحداث وغيرها تضع تركيا أمام جملة من التحديات الداخلية والخارجية، على حد سواء.
أردوغان، كان يعتقد أنه بعد الانقلاب يستطيع التغلب على الوضع الحالي في بلاده، إلا أن انتشار الأخبار الأخيرة تعكس فشله في هذا المسار.
وفي هذا السياق، فقد سجل عدد طلبات اللجوء التي قدمها أتراك في ألمانيا ارتفاعاً كبيراً ليرتفع من 1700 عام 2015 إلى 5700 السنة الماضية "أي بعد محاولة الإنقلاب".
وكان قد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عشرات المرات بأن الغرب دافع عن الإنقلاب في تركيا، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك فقد دعا المسؤولون الغربيون تركيا لإحترام دولة القانون، بعد أن قام أردوغان بسجن أكثر من 43 ألف شخص في تركيا وفصل أكثر من 100 ألف شخص أو أوقفهم عن العمل في قطاعات الشرطة والخدمة المدنية والقطاع الخاص للاشتباه في أنهم متورطون في محاولة الإنقلاب.
وأصبح من البديهي لمن يتابع مايجري من أحداث في تركيا أنه بعد استقرار اللاجئين الدبلوماسيين في ألمانيا، سيتم تشكيل شبكة قوية من المعارضين لسياسة أردوغان الخارجية والداخلية في أوروبا، وهذا الأمر يمكن أن يؤثر بشكل كبيرعلى المعادلات السياسية والأمنية في تركيا، ويشجع الكثير من المواطنين الأتراك لمغادرة البلاد أو مواجهة حكومة أردوغان.
ومن المثير للإهتمام، أن الكثير من الضباط والجنود الأتراك العاملين في حلف شمال الأطلسي قدموا طلبات لجوء إلى ألمانيا. وبالتالي أصبح أردوغان أمام شبكة من العسكريين والدبلوماسيين الأتراك لاتقبل ولاتعترف بحكومته.
وبناءاً على ذلك يمكننا القول أن أردوغان وحكومته فقدوا السيطرة على البلاد، وأصبح أردوغان وحزبه الآن أمام مواجهة كبيرة تزداد يوماً بعد يوم مع الأحزاب السياسية الأخرى المعارضه له ولسياساته.
وأخيراً لم يعد من المستغرب أن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين في المنطقة، يشبهون الظروف الحالية التي تمر بها تركيا بالنار تحت الرماد، وحذروا أردوغان من الإستمرار بهذه السياسة الإقصائية، لأنها لن تجلب سوى الويلات والخسارة للشعب التركي كما أنها ستذهب به بعيداً عن مسيرة التطور مزعزعة استقراره وأمن