الوقت- إن مأساة مخيم اليرموك اليوم، تعتبر جزءاً من المأساة العامة في سوريا. ففلسطينيوا المخيم يعانون اليوم من معاناة لجوء أخرى، الى جانب كونهم بعيدين عن بلدهم فلسطين. لقد كان المخيم الفلسطيني ضحية سيناريوهات الفوضى الخلاقة التي ساهمت الأنظمة العربية في نسجها ولا سيما السعودية وقطر. ولعل الفرق بين الدولتين هو في السياسة الخارجية، لكن كلاهما يعمل وفقاً للسياسة الأمريكية العامة، والتي من جهتها تعرف كيف تُدير الأطراف المختلفة، وفقاً لظروف كل منها وطبيعة الأدوات المستخدمة بشكل مباشر أو غير مباشر. فلم يعد خفياً دور هذه الدول بالإرتباط بتلك المؤامرة التي وضعتها أمريكا خدمةً لمصالحها ولمصلحة الكيان الإسرائيلي وهو ما جعل القضية الفلسطينية تقع ضحية الصراع القائم. فكيف يمكن وصف التخاذل العربي في التعاطي مع القضية الفلسطينية وبالتحديد، مسألة مخيم اليرموك اليوم؟
أولاً:مقدمةُ لا بد منها :
لا بد في البداية من التأكيد على أن التخاذل العربي هو بحد ذاته جزءٌ من هذه المؤامرة. لأن أول ما تستهدفه هو الشعب العربي وروح القومية والوحدة العربية. ومن يظن أن الدول الخليجية وبالتحديد السعودية وقطر، تغفل عن هذا الموضوع، فهو واهم. فالعدوان السعودي الخليجي على اليمن اليوم هو بحد ذاته دليلٌ على أن شعوب الأمة العربية ليست أمراً مهماً بالنسبة لهذه الدول. بل إن المهم بنظرهم هو كيفية تحقيق سياسات أمريكا والتي من خلالها يمكن لهم تأمين استمراريتهم كأنظمةٍ حاكمة. وهو ما يدل على حجم النفاق الذي يعتري الأنظمة العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فأمريكا ومن خلال سياستها الإستراتيجية، قامت بتقسيم المنطقة وتدميرها ذاتياً. لكن أسوأ ما يمكن أنه وقع في المنطقة العربية، هو أن هذه الأزمات تهدف بحد ذاتها لضرب القضية الفلسطينية، وضمان أمن الكيان الإسرائيلي. لذلك ليس مستغرباً ما يجري اليوم في مخيم اليرموك والذي وقع ضحية هذه الأزمات المتتابعة .
ثانياً: كيف ساهمت هذه الدول بتأجيج أزمة اليرموك :
إنه ولا مجال للشك في أن ما شهده مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق في الآونة اﻷخيرة من دخول تنظيم داعش اﻹرهابي إليه بالتنسيق والتواصل مع جبهة النصرة التكفيرية لم يأتي فجأة ومن باب الصدفة ودون تخطيط وإعداد مسبق لذلك. ولعل الحديث عما يميز التنظيمين الإرهابيين، يعود بحد ذاته الى الجهات الداعمة وهي السعودية وقطر. ولطالما يعرف الجميع أن الدول الخليجية كان لها الدور الأساسي في تغذية الإرهاب في المنطقة وبالتحديد خلال الأزمة السورية. وهو ما يرتبط مباشرةً بوضع المخيم اليوم. فأزمة المخيم بدأت منذ عام 2012 مع قيام مقاتلين تابعين للمجموعات اﻹرهابية بالسيطرة على المخيم وتهجير أكثر من مليون مواطن فلسطيني وسوري من بيوتهم. كما وعملت هذه المجموعات على إيجاد أرضية خصبة ليكون المخيم وبعض المناطق الملاصقة به بؤرة للإرهاب والقتل والتدمير من خلال قيام عناصر متدربة ومدعومة مالياً من الممول الخليجي، بنقل خبراتها للمسلحين وتدريبهم بغرض تنفيذ أجندات مرتبطة بأيديولوجية وهابية، تهدف للهيمنة على المنطقة على حساب الدول التي قدمت الدعم السياسي والعسكري للمقاومة واحتضنتها .
لكن السؤال الأبرز الذي بحث الكثيرون عن إجابته، هو: ما السبب وراء توافق التنظيمين الإرهابيين أي داعش والنصرة، رغم وجود الكثير من الخلافات بينهما؟
ولعل الإجابة تقودنا الى ما يمكن وصفه بحجم المؤامرة الخليجية على القضية الفلسطينية ولا سيما مخيم اليرموك في ظل الأزمة السورية. فالتنسيق الذي حصل بين التنظيمين رغم اختلاف أدبياتهما، كما تدعي كلا الجهتين، جاء نتيجة للتقارب الذي حصل بين الدول التي تدعمهما في الإجتماعات واللقاءات الأخيرة وبالتحديد السعودية وقطر والتي حصلت بإشراف ومباركة إسرائيلية وتوحيد الجهود في غرف العمليات لتحقيق الأهداف المشتركة. والتي كان في مقدمتها الإستمرار في استنزاف الدولة السورية وانهيارها، وهو ما ترجم على الواقع الميداني في التسهيلات التي قدمتها جبهة النصرة، لتنظيم داعش الإرهابي بدخول المخيم مقابل تنازل الأخيرة لصالح النصرة عن مواقع لها في منطقة القلمون. وهنا لا بد من عرضٍ موجزٍ لما كانت تهدف له هذه الدول، من ضرب مخيم اليرموك :
- إن صمود الجيش السوري، دفع بالدول الخليجية التي لا تريد الحل السياسي الى توحيد صفوفها في الميدان، وهو الأمر الذي جاء كردة فعلٍ سعودية قطرية، على الإنزعاج من الخطاب الدولي الداعي للتعاون مع دمشق. إضافةً الى الإنزعاج الخليجي الإسرائيلي من توقيع إتفاق الإطار بين إيران والدول الكبرى. فكان المخيم أرضيةً خصبةً يمكن أن تحقق أهداف هذه الدول .
- إن مشروع المصالحات المحلية السورية والتي لم تعجب الدول الخليجية، لسبب أنه لا يخدمها في تحقيق مصالحها القائمة على التقسيم ودعم الإرهاب، مما جعل هذه الدول تبحث عن بديل يمكن من خلاله تغذية الصراع فكان اختيار مخيم اليرموك الفلسطيني .
- استغلال الوضع الجغرافي والسياسي لمخيم اليرموك، وذلك بسبب قربه من العاصمة دمشق واعتباره البوابة الجنوبية لها، مما ساهم وبشكل كبير باختياره ساحة لانطلاق العمليات الإرهابية من قبل تنظيم داعش وغيرها وبالتالي السعي لدخول هذه العناصر للعاصمة. بالإضافة لمحاولة إضعاف وزعزعة معنويات أهالي العاصمة دمشق وثقتهم بجيشهم، مما قد يؤدي لجر الجيش السوري لمعركة داخل المخيم واتهام الدولة السورية بقتل المواطنيين الفلسطينيين واتخاذها ذريعة سياسية في المحافل الدولية ضد الدولة السورية .
لم تتوانى الدول الخليجة يوماً عن سياسات التقسيم التي تشكل لها سبب استمرارها. ولذلك فإن المتاجرة بالقضية الفلسطينية كانت دوماً ورقة تستخدمها هذه الدول لتحقيق مصالح أمريكا والكيان الإسرائيلي. لكن الأهم اليوم هو أن الشعب الفلسطيني المقاوم، أصبح يدرك من المتآمر عليه، ويعرف جيداً أن المقاومة هي سبيله الوحيد .