الوقت- تحاول السعودية إقناع العالم بأن العدوان على اليمن، هو لخدمة الشعب اليمني. لكن المحاولة السعودية هذه قد سقطت منذ الساعة الثانية للعدوان. فقد تكشفت حقيقة أن السعودية والدول الخليجية، تعبر عن عدم قدرتها على فرض ما تريد على اليمن من خلال محاولة إقصائه، وهي السياسة الصهيونية في التعاطي مع الفشل. ولذلك لم تعد السعودية قادرة على المضي قدماً لأنها أصبحت تعرف أنها ستفشل، وتعلم بأن إكمالها لعدوانٍ على شعبٍ أعزل، يعني انتحارها. لكن الرياض ما تزال تصر على استئناف العدوان، وهي التي تحاول إيجاد طريقةٍ للتراجع تحفظ لها ماء وجهها. لكن المستغرب أنها وعلى الرغم من كل ذلك، ما تزال ترفض المبادرات التي تدعو للحوار وإيقاف الحرب. فالموقف الإيراني المعلن والذي يؤيده كل العالم ضمناً، سوى الدول الخليجية، قدم مبادرةً من أربع نقاطٍ يمكن أن تكون الحل الأمثل لإيقاف العدوان، ويصب في مصلحة الجميع لا سيما الشعب اليمني. فماذا في المبادرة التي قدمتها الدبلوماسية الإيرانية وأيدتها كافة الدول ضمناً؟ ولماذا هذا التعنت السعودي الخليجي؟
أولاً: مبادرة الدبلوماسية الإيرانية
لقد أدت الدبلوماسية الإيرانية نجاحاً لا يمكن تجاهله في السنوات الأخيرة بالتحديد. وهنا لا يعتبر الكلام رأياً يعبر عن عاطفةٍ تجاه طهران، بل يعتبر توصيفاً لواقع موجود يراه الجميع. ومن يريد أن يناقش في أهمية الدبلوماسية الإيرانية، فعليه العودة الى الإنجاز التاريخي الأخير الذي فاجأ العالم، وهو اتفاق الإطار بين إيران والدول الكبرى، ولذلك لا داعي للغوص في تأكيد هذا الموضوع. ولعل ما يجب الإشارة إليه هو الدور الإيراني الفعال لحل الأزمة اليمنية، والذي بينته محاولات فريق وزارة الخارجية الإيرانية لا سيما وزير الخارجية محمد جواد ظريف .
ففي آخر اتصالٍ جرى بين وزير الخارجية الإيراني ونظيره العماني يوسف بن علوي، أكد ظريف لنظيره استعداد ايران لدعم حل في اليمن على أساس مبادرة بلاده ذات النقاط الأربع، مشدداً على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للشعب اليمني. وكان سبق ذلك توجيه ظريف رسالةً إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، تتضمن نقاط التسوية التي اقترحتها ايران بشأن الأزمة في اليمن. وقد أصبح معلوماً أن خطة التسوية التي سبق أن أعلنها ظريف في وقت سابق هذا الشهر، تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء كل الهجمات العسكرية الأجنبية، وتقديم المساعدات الإنسانية، واستئناف حوار وطني واسع، وتأليف حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة عريضة. وهنا يجري الحديث عن السبب الذي يدفع الرياض لرفض المبادرة، والتي تصب في مصلحة اليمن وشعبه واستقراره. مع العلم أن أطرافاً إقليمية أخرى توافق ضمناً على المبادرة الإيرانية .
ويأتي في هذا السياق، الحديث عما اعتبره مراقبون سياسيون أتراك، فيما يتعلق بتصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمتعلق بالأزمة اليمنية، أثناء زيارته إيران الأسبوع الماضي، مقترحاً لإعادة التوازن إلى منطقة الشرق الأوسط. وقال خبير السياسات الخارجية "عبد الله يغين"، إن تركيا وإيران التين اتخذتا قراراً بالتحرك المشترك لإحلال السلام في اليمن، في حال نجاح جهودهما، سيكون ذلك نموذجاً ناجحاً لحل سائر الأزمات الإقليمية، مبيناً أن الاقتراح الذي عرضه أردوغان على إيران، من الممكن أن يكون نموذجاً للحل. وكانت تركيا قد اقترحت يوم الأربعاء الماضي، عقد مؤتمر دولي لإنهاء الأزمة في اليمن بمشاركة جميع أطراف النزاع يعقد في مدينة اسطنبول التركية. وقال رئيس البرلمان التركي جميل تشيتشيك في مؤتمر صحفي عقده في موسكو اليوم، إن "تركيا مستعدة لاستضافة جميع الأطراف للمساعدة على حل سلمي للنزاع" في اليمن .
ثانياً: دلالات التعنت السعودي الخليجي
لا بد من الإشارة الى أن ما يجري اليوم لا يدل فقط على تراجع نفوذ السعودية والدول الخليجية، بل يدل على فشل هذه الدول في سياستها الخارجية أيضاً، وهذا ما تثبته الأيام الحالية، وبالتحديد عندما يتعلق الموضع بالأزمة اليمنية. ولذلك لا بد من توضيح التالي :
- إن هذه الدول ومنذ بداية الأزمة اليمنية، حاولت استغلال الوضع الداخلي، وعملت بطريقة غير حكيمة، في التعاطي مع الملف اليمني. ويمكن الإشارة الى قلة الحكمة الخليجية في التعاطي مع الملف السياسي الخارجي من خلال العديد من الأمور. ومنها تصريحات وزير الخارجية السعودي والتي دعت لتقسيم اليمن، وهو الأمر الذي لاقى رفضاً من كافة الأطراف اليمنية الداخلية، ما دفع السعودية الى توضيح موقفها. ثم لحق ذلك دعوة السعودية مجلس الأمن للتدخل، كما دعوة اليمنيين للرياض من أجل الحوار، وهو ما اعتبر محاولةً لتدويل الأزمة اليمنية حينها. وهكذا فإن السعودية وخلفها دول مجلس التعاون، لم تستطع إدارة الأزمة اليمنية منذ البداية .
- إن قيام السعودية والدول التي تدور في فلكها بالاعتداء على الشعب اليمني، أفقدها تلك الصورة التي سعت دوماً لإظهارها، وجعلها وبوضوح تظهر كما الكيان الإسرائيلي في اعتداءاته المتكررة بحق الشعوب العربية، لا سيما اللبناني والفلسطيني، مما أفقدها ثقة الشعوب بها .
- لن تستطيع السعودية والدول الخليجية، محو ما سيسجله التاريخ وذاكرة الشعوب، عن حجم المجازر التي حصدها العدوان السعودي بحق الشعب اليمني. وبالتالي فإن أي مخرجٍ للأزمة، لن يُعيد للسعودية ودول الخليج الفارسي هيبتها أبداً .
- إن الرفض العربي الذي يمكن وصفه بالرفض الضمني، الى جانب الرفض التركي الإيراني للعدوان، يجعل السعودية والدول الخليجية وحيدةً في خياراتها، ويضعها أمام مسؤوليةٍ تاريخية كبيرة. فباكستان الرافضة للعدوان، ومصر المؤيدة للحلول السياسية، وتركيا الداعية لحوار على أراضيها، يجعل المبادرة الإيرانية، الحل الأمثل الذي يحفظ للشعب اليمني حقه ويعيد له استقراره. وبالتالي فإن السعودية الداعية منذ البداية لتأجيج الصراع المذهبي، لم تنجح كما الدول الخليجية التي تقف خلفها .
ليست الأمور معقدةً لدرجةٍ لا يمكن فهمها. بل لا شك أن الجميع اليوم في المشهد السياسي، يلعبون ووجوههم مكشوفة. وبالتالي فإن الحل الذي قدمته إيران، والذي يوافق عليه ضمناً جميع اللاعبين السياسيين، حتى الدوليين منهم، فيما ترفضه الدول الخليجية وبالتحديد السعودية، يجعلنا نجد أن القرار الخليجي أصبح في مكانٍ خطيرٍ جداً. فالعاقل يعرف أن الحل الإيراني يحفظ شيئاً من ماء الوجه السعودي، لكن علينا أن نبحث عن الطرف الذي يخرِّب دوماً ويسعى للشقاق بين الجميع. هذا الطرف هو الكيان الإسرائيلي، ولذلك على السعودية أن تجيب على السؤال التالي: هل أصبح الكيان الإسرائيلي عراب السياسات السعودية الخليجية؟ إننا ننتظر الجواب الذي أصبح معلوماً .