الوقت - ليست المرة الأولى التي يُعلن فيها الروس عن تقليص عدد قواتهم في سوريا، فهل هي اعادة انتشار للقوات الروسية في سوريا، أم أن روسيا تستعد لخوض معركة كبرى في سوريا؟ وهل غيرت روسيا مقاربتها؟ أعلن رئيس أركان الجيش الروسي، الجمعة الماضية خفض بلاده عدد قواتها في سوريا تنفيذا لأمر صادر من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لافتا الى أن بعض وحدات الجيش الروسي بدأت بالانسحاب من سوريا.
وجاء اعلان تقليص عدد القوات الروسية في سوريا بعد أسابيع من انتهاء معركة حلب، وقبل اسبوعين من انعقاد مؤتمر آستانة. ومن المقرر أن يُعقد هذا المؤتمر أواخر الشهر الجاري في العاصمة الكازخستانية، وسيجمع مؤتمر آستانة ممثلي الجماعات المعارضة السورية وممثلي الحكومة السورية حيث ستعقد خلال المؤتمر محادثات لتحقيق السلام في سوريا.
وعلى الرغم من تشكيك بعض المتابعين بإمكانية عقد هذا المؤتمر بالمنظر الى المشاكل والتحديات التي يواجهها، ولكن روسيا تسعى وبقوة لعقد هذا المؤتمر الذي كان وراء ظهور آمال -ولو في الحدود الدنيا- لإنتهاء الحرب في سوريا، وفي هذا الصدد قال المسؤولون الروس إن انسحاب جزء من القوات الروسية من سوريا جاء كضمان للمفاوضات المزمع عقدها.
ولكن بالنظر الى القوات الروسية التي من المقرر أن تغادر الأراضي السورية، يتضح أن العملية أشبه باعادة نشر للقوات الروسية بالنظر الى الأوضاع الميدانية ولا يبدو الأمر على أنه انسحاب لجزء من القوات الروسية من سوريا.
ووفقا لما أعلنه قائد الجيش الروسي، فإن المرحلة الأولى ستشمل انسحاب حاملات الطائرات الأدميرال كوزنيتسوف من السواحل السورية. وكانت حاملة الطائرات هذه قد رست مؤقتا عند السواحل الروسية في شهر اكتوبر من العام الماضي لتشارك في المرحلة الأخيرة من عمليات تحرير مدينة حلب؛ والآن بعد تحرير المدينة وانتهاء العمليات القتالية من الطبيعي أن تسحب روسيا هذه القوات كما سحبت إيران بعد انتهاء معركة حلب جزءاً من قواتها الاستشارية التي كانت قد نشرتها في سوريا.
من هذا المنطلق يعد تقليص عدد القوات الروسية في سوريا قرارا عسكريا أكثر مما هو قرار سياسي ويعتبر هذا القرار اعادة لنشر القوات، ولكن الأمر يعود الى مهارة زعماء الكرملين في دمج الخطوات الدبلوماسية بالخطوات العسكرية عبر التوقيتات المناسبة مما يؤدي الى ابراز أهمية سحب هذه القوات، في حين تم اتخاذ هذا القرار مسبقا.
قبل عام من اليوم استطاعت القوات الحكومية السورية وحلفاؤها الدخول الى بلدتي نُبل والزهراء الاستراتيجيتين اللتين كانتا محاصرتين في شمال غرب حلب، وحاصرت القوات الحكومية الجماعات الارهابية في مدينة حلب. وبعد أيام من تحقيق هذا النصر الهام، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمرا فاجئ الكثير من المراقبين، حيث أمر بسحب جزء من القوات الروسية من سوريا. وفي ذلك الحين أعلن بوتين أن الهدف من هذه الخطوة هو تحفيز المعارضين للمشاركة في عملية السلام. رغم ذلك فإنه حذر حينها قائلا: نستطيع اعادة قواتنا الى سوريا، بنفس سرعة مغادرتنا لها.
وبعد ان باءت المفاوضات بالفشل، اتخذ حلفاء سوريا الخيار العسكري واستطاعوا تحرير المناطق الشرقية من مدينة حلب مما وجَّه ضربة قاصمة للجماعات المسلحة في سوريا، والآن بالنظر الى الاوضاع الميدانية، من المقرر أن تجري في كازخستان بعد أيام محادثات سياسية حول الازمة في سوريا. ويرى المراقبون أن روسيا ستستخدم خيار الحسم العسكري إذا ما فشلت هذه الجولة من المفاوضات أيضا.
وفي هذا الصدد، أشار الخبير في الشؤون السورية، فابريك بالاند الى أمر الرئيس بوتين بسحب جزء من القوات الروسية وكتب: "في الحقيقة، من المحتمل أن يعني هذا أن الرئيس الروسي يقوم باعادة نشر بسيطة لقواته ومعداته العسكرية استعدادا للحملة العسكرية الكبرى التالية".