الوقت- في آخر تصريحاته الصحفية أطلق ولي ولي عهد السعودية ووزير الدفاع محمد بن سلمان مواقف غريبة حول مختلف القضايا التي تدور في العالم ومنها طبيعة علاقات بلاده مع ايران، وقد قال بن سلمان في هذا السياق انه "لا توجد أي نقطة في التفاوض مع إيران لالتزامها بتصدير أيدولوجيتها وانتهاك سيادة الدول الأخرى" على حد تعبيره.
اقوال بن سلمان الذي يعتبره الغربيون صاحب الكلمة الأقوى في البلاط السعودي جاءت خلال مقابلة مع صحيفة فورين افيرز الأمريكية وقد اكد خلالها انه اذا لم تغيّر ايران نهجها فإن السعودية ستتضرر اذا تعاونت مع ايران.
من الواضح ان هذه التصريحات تصب القاء للوم على الآخرين للتهرب من الحقيقة والواقع وتظهر بأن السعوديين لايرغبون في التفاوض مع ايران في الظروف الحالية، ويمكن تلخيص أسباب ذلك على النحو التالي:
اولا: تفوق ايران في المنطقة
ان أهم سبب لعدم رغبة الحكام السعوديين لفتح باب الدبلوماسية والاستجابة لدعوات ايران للتفاوض يكمن في التفوق الميداني الايراني في المنطقة فالتطورات الميدانية في العراق وسوريا واليمن ولبنان أدت حتى الان الى حصول تفوق ايراني نسبي امام السعودية ومن الطبيعي ان يرفض السعوديون التفاوض والحوار تحت هذه الظروف لأن اي مفاوضات من هذا القبيل تعتبر تأييدا لنفوذ ايران وحضورها في العالم العربي وهذا لا يلبي مصالح السعودية ورغباتها، فالسعوديين كانوا ولايزالوا يحاولون احتواء ايران ومنع نفوذها ليمنعوا حضورها وتواجدها ويرفعوا من كلفة هذا الحضور والتواجد في قضايا المنطقة.
ولذلك ينبغي القول ان التكلم عن المفاوضات في ظل هذه الظروف التي ترى السعودية فيها نفسها صفر اليدين امام ايران يعتبر غير منطقيا وخطأ استراتيجيا بالنسبة للرياض.
ثانيا: استمرار الأزمات وإتساع بؤرها
ان السبب الثاني الذي يأتي مباشرة بعد السبب الاول هو عدم حسم مصير الأزمات الجارية في المنطقة واستمرار هذه الأزمات واتساع بؤرها، فالمجالات التي يمكن ان يدور حولها النقاش بين ايران والسعودية مثل قضايا العراق وسوريا ويمن ما زالت تشهد توترا وفوضى وامرها لم يحسم حتى الان وبالتالي لايمكن التفاوض حولها، خاصة اذا علمنا ان السعوديين لازالوا يأملون في سلب ايران تفوقها ما دامت هذه الأزمات مستمرة واستخدام ذلك كأوراق للتفاوض فلذلك يمكن القول انهم يعتبرون ان الفرصة مازالت متوفرة لإنهاء تفوق الطرف المقابل.
لقد لجأ المسؤولون السعوديون وخاصة محمد بن سلمان الذي كان في السابق يتجنب اطلاق المواقف ضد ايران قدر الامكان، هذه المرة الى تكرار الاتهامات السعودية السابقة لايران واعتبروا التواجد والنفوذ الايراني في العراق وسوريا وهو تواجد دفاعي جاء بطلب من بغداد ودمشق بأنه تصدير للثورة وانتشار للفوضى، وذلك في وقت باتت معظم الدول الغربية يدركون دور ومكانة السعودية كمنشأ للأصولية والراديكالية السلفية ويعلمون بأن الرياض هي التي تدعم الجماعات الارهابية في العراق وسوريا وباقي المناطق دعما ماديا ومعنويا ولوجستيا وهي التي تقف خلف نشر الفوضى وخلق الأزمات في المنطقة.
ولذلك يجب على السعوديين ان يستوعبوا هذه الحقيقة الاستراتيجية بأن ايران لايمكنها ان تكون لاعبة غير مؤثرة وحيادية في النظام الإقليمي للشرق الاوسط فبغض النظر عن عناصر القوة التي تمتلكها ايران في المنطقة فإن العمق الجيوسياسي لهذا البلد يمتد خارج حدوده بسبب خطابه المرتبط بالاسلام ومذهب التشيع والثقافة الايرانية.