الوقت- في وقتٍ جرى الحديث فيه عن قيام قوات التحالف بالتدخل في معركة تكريت لدعم القوات العراقية، أثبتت الأحداث والوقائع نفاق أمريكا والتحالف. فقد كان التدخل محاولةً لإعادة إحياء تنظيم داعش الإرهابي، وكسر القوات العراقية والحشد الشعبي الذي كان على بوابة الإنتصار. وما زاد القناعة بذلك تأخر حسم المعركة حيث كان من المتوقع إنجاز الحسم في الأيام الماضية. لكن الجديد المتعلق بالشأن العراقي، هو رفض أمريكا تسليح العراق بالأسلحة التي يحتاجها للقضاء على الإرهاب. فماذا في تطورات الشأن العراقي الأخيرة؟
رفض الكونغرس الامريكي منذ يومين، ثلاث طلبات للحكومة العراقية بتسليح الجيش بقيمة 15 مليار دولار، مبرراً الرفض بانخفاض أسعار النفط الى دون المستوى المطلوب. وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية بالأمس، أن الجانب العراقي تقدم بطلب سابق بشراء مجموعة أسلحة من الجانب الأمريكي لتسليح جيشه، وتضاعف هذا الطلب ثلاث مرات خلال هذا العام مما أعطى انطباعاً لدى الأمريكيين بأن المعركة الجارية هناك خطرة ومستمرة، ويؤكد على حاجة العراق للدعم العسكري، لكن الكونغرس رفض تنفيذ الطلب. ولفتت الصحيفة الى أن قيمة الصفقة التي كانت تنوي الحكومة العراقية إبرامها مع أمريكا، تقدر بـ 15 مليار دولار لشراء دبابات نوع أبرامز وعربات نوع "هامفي" المزودة بالمدافع الرشاشة، لكن المبيعات التي من المؤمل إيصالها الى العراق، تعرقلت بسبب رفض مجلس الشيوخ الأمريكي تنفيذ هذا الطلب، مبررة الرفض، بأنه من غير الممكن تجهيز الجانب العراقي بالأسلحة التي يريدها في الفترة القياسية التي وضعها، وهي خلال شهر واحد. ونقلت الصحيفة عن سيناتور أمريكي بارز ورئيس لجنة الخدمات العسكرية في الكونغرس قوله، أنه طلب من البنتاغون كشف البيانات الشهرية التي تقوم بها الوزارة الأمريكية لتقييم القدرة العراقية العسكرية وإعطاء تقارير على ضوئها. وبينت الصحيفة أن العراق طلب بالضبط دبابات أبرامز بعدد 175 دبابة، مع ذخيرتها وقطع غيارها والملحقات الأخرى، إذ ستكلف قيمة هذه الدبابات وملحقاتها البلد حوالي ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار. لكن الجدير بالذكر الى أن البنتاغون كان قد طلب من الكونغرس اعتبار هذه الطلبات العسكرية منحة الى الجانب العراقي ودفع تكاليفها بالآجل، لكن المجلس رفض بالأمس ذلك الأمر أيضاً .
وهنا يجب الإشارة الى ما لهذا الرفض الأمريكي من دلالاتٍ سياسية. فبطبيعة الحال وكأي بلدٍ مانح، تحتاج الأمور الى وقتٍ لتأخذ حيز التنفيذ. لكن الوضع القائم في العراق لا يحتمل التأخير. وبالتالي فقد كانت أمريكا العارفة بحقائق الأمور، قادرةً على التعجيل في الدعم العراقي. لكن الحاصل من تأخيرٍ أو إلغاء أصل الدعم يدل على تغيرٍ في النظرة الأمريكية لفكرة الدعم من أساسها. وبالتحديد فيما يتعلق بالهدف الحقيقي من الدعم الأمريكي. فأمريكا وكالمعتاد لا تدعم أي طرفٍ ولا تحل أي نزاعٍ دون حفظ مصالحها. بل إن الدعم الأمريكي دائماً ما يكون يصب في مصلحتها فقط. ولعل إنجازات العراق لم تعجب الطرف الأمريكي، الذي لايزال مندهشاً من الإنجازات المتلاحقة للقوات العراقية وخصوصاً في معركة تكريت الأخيرة. ويمكن ربط ذلك بتصريحات نائبٍ عن التحالف الوطني الأحد الماضي، أكد فيها أن توقف العمليات العسكرية في تكريت جاء بناءاً لطلبٍ أمريكي. مشيراً الى أن القوات الأمريكية فاجأت الجميع في الميدان عندما قامت بعمليات إنزالٍ جويٍ في تكريت، وذلك لإنقاذ قواتٍ تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، وأخرى تابعة للنظام العراقي السابق. مما يعزز فرضية أن أمريكا ليست في موقع محاربة الإرهاب إلا حينما يصب ذلك في صالحها .
وهنا يأتي الحديث مرةً أخرى عن أثر التعاظم الإيراني في المنطقة. فالدور الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط وبالتحديد العراق، جعل أمريكا محرجةً أمام خياراتها الإستراتيجية. فالنفاق الأمريكي المعتاد كشفته صراحة إيران التي وضعت الجميع في المنطقة أمام الإمتحان الأصعب. ولا شك أن الإختبار الإيراني المفروض على الجميع، أظهر الوجوه الحقيقية لهم، وسيكشف في المستقبل عن أسرار قد تكون اليوم مجرد كلامٍ تحليلي، فيما سيصبح هذا الكلام في المستقبل معلومات للتاريخ. فالدعم الأمريكي للإرهاب ومحاولة حمايته حين يكون في ذلك مصلحة لأمريكا، ليس بجديد. لكن الإدعاء الأمريكي بأن التحالف يحارب الإرهاب في العراق، في الوقت الذي تعمل فيه طائراتٌ أمريكية على إنقاذ مقاتلين لتنظيم داعش الإرهابي، أمرٌ يجب الوقوف عنده. وهنا يأتي السؤال الأبرز: لماذا تستمر أمريكا ومعها دول الخليج الفارسي بالحديث عن محاربة الإرهاب، وهم الذين صنعوه أصلاً؟ وهل تعرف هذه الدول أن الشعوب أصبحت تعرف الحقائق؟