الوقت- مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدأت أسماء المرشحين لخوض هذا السباق تتضح شيئاً فشيئاً. فقد فاز "فرنسوا فيون" رئيس الوزراء الفرنسي السابق بالدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية لأحزاب اليمين التي شهدتها البلاد الأحد، 20 تشرين الثاني الجاري.
وأبرزت نتائج فرز الأصوات في 82% من مراكز الاقتراع أن "فيون" حصل على 44.1 بالمئة منها، ما يعني دخوله الدورة الثانية من الانتخابات المزمع عقدها في 27 من هذا الشهر. ويليه رئيس الوزراء الأسبق "ألان جوبيه" مع 28.2% من الأصوات.
وخرج الرئيس السابق "نيكولا ساركوزي" خاسراً من الدورة الأولى التي دعمه فيها 21% فقط من الناخبين الفرنسيين، معلناً أنه سيصوت لصالح فيون في الدورة الثانية باعتبار أن توجهات الأخير السياسية أقرب إلى مواقفه. وأقر ساركوزي بهزيمته، معلناً في الوقت نفسه عن انسحابه من الحياة السياسية، وموصياً أنصاره بـ"عدم الانقياد لمتطرفين أبدا".
وقال ساركوزي "أكن لآلان جوبيه تقديراً كبيراً ولكن أشعر بأنني أقرب للخيارات السياسية لـ "فرانسوا فيون"،ولهذا فإنني سأصوت له في الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية".
وانطلاقاً من تراجع شعبيته والانقسامات داخله، فإن اليسار الحاكم قد يخرج من الدورة الأولى في أبريل/نيسان 2017. وهذا يعني وفق استطلاعات الرأي أن المواجهة النهائية قد تكون بين مرشح اليمين المنبثق من الانتخابات التمهيدية وزعيمة اليمين المتطرف "مارين لوبان".
وازدادت فرص لوبان على خلفية القلق الذي أثارته اعتداءات الجماعات المتطرفة منذ 2015 وأزمة المهاجرين، ولكن حتى الآن يبدو أنها لن تكون قادرة على جمع الخمسين في المئة المطلوبة لانتخابها وفق الاستطلاعات.
وكان فيون (62 عاماً) حقق اختراقاً كبيراً في استطلاعات الرأي الأخيرة، وهو يتبنى برنامجاً ليبرالياً على الصعيد الاقتصادي ومحافظاً على المستوى الاجتماعي.
ولم يكن أحد ليراهن على فيون رئيساً للجمهورية الفرنسية، لأنه لم يكن مرشحاً إلى أكثر من المركز الثالث طيلة عام كامل في جميع استطلاعات الرأي لناخبي اليمين الوسط، لكن يمكن القول الآن بأن الرئيس المقبل لن يكون سوى "فيون"، بسبب اتساع المسافة بينه وبين "آلان جوبيه"، ما يجعله بعيداً عن متناول خصمه، فضلاً عن إعلان ساركوزي تأييده وتصويته له. وهذه هي المرة الأولى في فرنسا التي تحسم فيها انتخابات تمهيدية، قبل الوصول إليها في نيسان من العام المقبل.
ويعتقد معظم المراقبين بأن فيون سيكون رئيساً من دون منازع لسبب آخر مهم وهو انعدام حظوظ الرئيس "فرانسوا هولاند" بالبقاء ولاية ثانية في الإليزيه، بعد أن سجل رقماً قياسياً بانحدار شعبيته والنقمة على سياسته الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
ومن الأسباب الأخرى التي تعزز الاعتقاد بأن فيون سيكون الرئيس القادم تكمن في تعقيدات نظام الدورتين الانتخابي للرئاسة الفرنسية، والذي يحرم المرشحة "مارين لوبان" من وراثة الجمهورية الخامسة، وحتمية اتحاد أحزاب اليسار واليمين، كما حدث عام 2002 في مواجهة والدها "جان ماري لوبان" لمنعها من الفوز في الدورة الثانية في مواجهة "فرانسوا فيون" إذا لم تفز بأغلبية الأصوات في الدورة الأولى.
والأرجح أن فوز فيون في الانتخابات التمهيدية، وتحول انتخابات الرئاسة في نيسان المقبل، إلى قصة فوز معلن، قد سهّله في المقام الأول فشل استراتيجية ساركوزي في الإبقاء على اختيار المرشح داخل جدران حزب "الجمهوريين"، أكبر أحزاب فرنسا وأعضائه الذين يقتربون من 200 ألف عضو.
كما أدى إقبال أربعة ملايين ناخب من اليمين والوسط، وحتى اليسار، إلى جعل الحزب الساركوزي مجرد ناخب بين ناخبين كثر وإغراقه خصوصاً بناخبي الوسط الذين لم يستسيغوا استراتيجية ساركوزي بسرقة شعارات يمين الوسط، كما لم يستسيغوا "آلان جوبيه" لافتقاده الكاريزما المطلوبة، والتي تؤكد فشل الطبقة السياسية الفرنسية في تجديد نفسها منذ الثمانينيات.
ووفقاً لكثير من المحللين يبدو "فرانسوا فيون" امتداداً لظاهرة الرئيس الأمريكي المنتخب "دونالد ترامب" إلى حد ما، فالرجل لم ينتظر حملة الانتخابات الأولية لإعلان نيته الانقلاب على السياسة الفرنسية التي اتبعها "نيكولا ساركوزي" و "فرانسوا هولاند"، والأرجح أنه سيستفيد من تقاطع المواقف في إعادة ترتيب هذه السياسة لاسيما على الصعيد الخارجي.
ويعبّر فيون في الحقيقة عن تعاظم تيار داخل المؤسسة الفرنسية يعتزم إعادة التفكير بطبيعة علاقات بلاده مع الخارج بشكل خاص وإعادة النظر بالسياسة الأوروبية الخارجيّة بشكل عام.
ورغم اختلاف مرجعيات المرشحين للانتخابات الفرنسية، شكلت الهجرة أحد المواضيع المهمة في بـرامج هؤلاء المرشحين باعتبار ها مشكلة كبيرة، في وقت تؤكد فيه الإحصائيات المتوفرة أن أعداد المهاجرين "الشرعيين" و "غير الشرعيين" لا تتجاوز 10% من مجموع سكان البلاد، وأن فرنسا تقع في أسفل الترتيب الأوروبي من حيث نسبة المهاجرين إلى السكان الأصليين، وراء لوكسمبورغ وسويسرا والنمسا وألمانيا والسويد وبلجيكا وايرلندا واليونان.
أخيراً ينبغي الإشارة إلى أن الملاحظة الأساسية التي تسجل على الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية، هي الأكثر سخونة منذ سنة 1981، حين جرى التنافس بين "جيسكار ديستان" و "ميتران" وحسم لمصلحة الأخير، ومع ذلك لا تزال هذه الحملة مغرقة في التركيز على الوضع الداخلي. فالكل يتحدث عن الهوية الوطنية وروح الجمهورية والأمجاد الفرنسية بهدف طمأنة الفرنسيين حيال العولمة والمهاجرين وتوسع الاتحاد الأوروبي، لكن الناخبين يدركون أن الوعود هي مجرد حملات انتخابية، لذلك لا يبدون اهتماماً، بدليل أن نصفهم لم يقرر بعد ما إذا كان سوف يشارك في التصويت أم لا، ولمن يصوت في حال المشاركة.
وتجدر الإشارة إلى أن الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ستجري في 23 أبريل/ نيسان القادم، في حين أن الجولة الثانية ستجري في 7 مايو / أيار من العام ذاته.