الوقت - خرجت مبادرة "النقاط العشر" الجديدة والتي أطلقها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور "رمضان عبد الله شلح" في الذكرى الـ 29 لانطلاقة الحركة، لتُحدث تحولاً على الصعيد السياسي الفلسطيني. فالمبادرة جاءت في ظروفٍ تعيش فيها القضية الفلسطينية مظلومية سياسية من قبل الأفرقاء الفلسطينيين والعرب. في حين لم يكن صدفة تسمية المبادرة كسابقتها عام 1974، كرسالة تحمل العديد من الدلالات. فماذا في مبادرة الجهاد الإسلامي؟ وما هي دلالاتها المهمة وإمكانية تحقيقها؟
مبادرة الجهاد الإسلامي: النقاط العشر موجزة في سطور
يمكن إلقاء الضوء على المبادرة التي أطلقها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور "رمضان عبد الله شلح" في الذكرى الـ 29 لانطلاقة الحركة بالتالي:
أولاً: الدعوى لإلغاء اتفاق أوسلو من قبل الجانب الفلسطيني. وهو ما يُستكمل بحسب النقاط، بإعلان منظمة التحرير سحب الإعتراف بالكيان الصهيوني (دولة إسرائيل) من منطلق أنه لا يجب أن يتنازل صاحب الحق الفلسطيني عن وطنه التاريخي فلسطين.
ثانياً: إعلان أن منظمة التحرير التي تعترف بالكيان الإسرائيلي ومشت في جنازة الرئيس الإسرائيلي بيريز لا تُمثِّل الخيار الفلسطيني الوطني للفلسطينيين. وهو ما يستلزم إعادة بناء هذه المنظمة (منظمة التحرير) ضمن إطار يجمع كل قوى وأبناء الشعب الفلسطيني ويخدم حقوقهم. فيما يجب أن يتبع ذلك حصول تحرر من حالة الإستسلام للإرادة الأمريكية – الإسرائيلية، والقيام بملاحقة الكيان الإسرائيلي وقادته أمام المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب.
ثالثاً: إعتبار أن الأولوية هي لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي بكافة الوسائل المشروعة، وهو ما يستلزم إعادة الإعتبار للثورة الفلسطينية وانتفاضة القدس المسلحة وتعميمها على كافة الأراضي الفلسطينية، والإيمان بالمقاومة كطرف قادر على تأمين سيادة وحرية الوطن الفلسطيني.
رابعاً: بناءاً لما تقدم، يجب العمل على تعزيز الوحدة الوطنية بين الحركات الفلسطينية، ومنع وجود كيانين وبرنامجين فلسطينيين(غزة ورام الله). مما يعني جمع البرنامجين ضمن الرؤيا المقدمة أعلاه تحت عنوان المقاومة وإضفاء الشرعية الوطنية على دورها الذي يستمد شرعيته أصلاً من وجود إحتلال إسرائيلي. وهو ما يستلزم إطلاق حوار وطني شامل.
خامساً: العمل على تعزيز حق الشعب الفلسطيني بالثبات والعيش في أرضه ومقاومة المشروع الإسرائيلي لإقامة دولة على حساب الحق الفلسطيني. مما يتطلب منع حالة الإختزال الحاصلة بحق الفلسطينيين في أرضهم. وهو ما يحتم وضع استراتيجية تشمل كافة الفلسطينيين في فلسطين والعالم.
سادساً: المطالبة بتحمل الدول العربية والإسلامية مسؤوليتها التاريخية فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي، من منطلق أن القضية الفلسطينية هي قضية تاريخية وجوهر هذا الصراع. الأمر الذي يستلزم البدء بـ: سحب المبادرة العربية والتعاون مع مصر فيما يخص قطاع غزة.
النقاط العشر: دلالات وتحليل
لا شك أن مشروع المبادرة التي أطلقها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور "رمضان عبد الله شلح"، والتي حملت نقاطاً عشراً جديدة، تحتلف جوهرياً عن البرنامج المرحلي الذي تبنته "منظمة التحرير الفلسطينية" في أيار عام 1974 في القاهرة، والذي حمل أيضاً مُسمى "برنامج النقاط العشر". وهو ما يحمل الكثير من الدلالات.
يحمل العديد من الدلالات. نُشير لها بالتالي:
أولاً: ليست صدفة أن تكون المبادرة من نقاطٍ عشر وتحمل نفس المُسمى للمبادرة الفلسطينية القديمة عام 1974، ولكنها في الحقيقة تحتوي في جوهرها على وجهةٍ مُختلفة للقضية الفلسطينية. وهو ما سنوضحه فيما يلي. لنقول أن المُسمى يحمل رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر، بأن الزمن قد تغيَّر ومعادلات المقاومة باتت وازنة على الساحة الفلسطينية. وإن السياسات المتخاذلة لدولة رام الله، لم تعد محط قبول الشعب الفلسطيني
ثانياً: يجب الإلتفات الى أن المبادرة جاءت من قبل حركة الجهاد الإسلامي والتي تحمل تاريخاً مقاوماً، بعيداً عن الدور السياسي. وهو ما يعني أن هذه المبادرة، خطتها أقلامٌ فلسطينية مقاومة، رأت بأن الظروف الحالية تفرض الدخول نحو المعترك السياسي والذي باتت تغيب عنه وللأسف القضية الفلسطينية على الصعيد الفلسطيني السياسي. وهو ما يقتضي خطوة تُعيد إحياء البعد السياسي لهذه القضية، وربطها بالعمل العسكري المقاوم.
ثالثاً: إن مراجعة نقاط مبادرة 1974 العشر، يوضح الإختلاف الجوهري عن النقاط العشر الجديدة التي طرحتها حركة الجهاد الإسلامي. فنقاط 1974 والتي تحولت الى برنامج عملي لـ "منظمة التحرير الفلسطينية" يدعو لعملية تسوية سياسية تقوم على أساس احترام قرارات الشرعية الدولية ويرضخ لإقامة دولة فلسطينية مُستقلة فوق الأراضي المحتلة عام 1967 فقط ويعترف بحق عودة اللاجئين. بينما دعت النقاط العشر الجديدة الى رفض مبدأ المفاوضات والتسوية واعتبارها دون أفق للحل، وعدم الخضوع للسياسة الأمريكية عبر قبول القرارات الدولية، وانتهاج خيار المقاومة فقط وإعطاء أهمية للتعاون العربي والإسلامي فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي.
رابعاً: تُعتبر المبادرة الجديدة، نقطة تحوُّل على الصعيد الفلسطيني يجب احترامه، خصوصاً أنها يمكن أن تكون بادرة توافق داخلي لجهة دعمها للحوار الفلسطيني - الفلسطيني، ومنطلق لتثبيت دور المقاومة الفلسطينية. مما قد يجعل الشعب الفلسطيني مُوحَّداً أمام الخيار الأمثل والوحيد وهو مقاومة الإحتلال الإسرائيلي.
خامساً: إن المبادرة والتي صدرت عن جهة لها تاريخ من النضال ومقاومة الإحتلال الإسرائيلي، لقيت ترحيباً من غالبية الأطراف الفلسطينية وبعض العربية. في حين يُستغرب موقف البعض من هؤلاء، خصوصاً أنهم كانوا وراء نسج مبادرة 1974 والتي جلبت العار والذل للشعب الفلسطيني العزيز، وأعطت الإحتلال الإسرائيلي ذرائع لمنع حقوق الشعب الفلسطيني وتهجيره. مما يدعو للإنتباه من نوايا البعض وليس سلوكهم.
سادساً: إن مجرد طرح هكذا مبادرة يدل على القوة التي بات يتمتع بها محور المقاومة والتي تعتبر حركة الجهاد الإسلامي جزءاً منه. فاليوم يجري الحديث بجرأة وقوة وعلى الساحة الفلسطينية، ويحصل مساعي مَرجُوَّة لتحقيق ذلك. في حين لم يكن هذا السلوك ممكناً قبل سنوات. وهو ما يُترجم التغيُّر الحاصل في موازين القوة وضعف الطرفين الأمريكي والإسرائيلي والأطراف العربية الداعمة له.
سابعاً: تحتاج المبادرة الى تشكيل واقع سياسي وشعبي يحتضنها، وهو ما لم يحصل حتى الآن. فعلى الرغم من أن هذه المبادرة مهمة ولو بمجرد طرحها، فإن أعداء الشعب الفلسطيني والعاملون في الحلقة السياسية الأمريكية الإسرائيلية كُثر خصوصاً في العالم العربي. وهو ما يحتاج لقيام الأفرقاء الفلسطينيين الداعمين للمبادرة بترجمة حُسن النوايا الى سلوك فاعل على الساحة الفلسطينية وقيادة تحرك عربي دولي لدعم ذلك.
لا شك أن المبادرة تعتبر فرصة للتغيير نحو تثبيت حقوق الشعب الفلسطيني، وتأكيد أهمية خيار المقاومة كخيارٍ أوحد. لكن العديد من التحديات تواجهها، داخلياً وخارجياً. فهل سيتبنى الفلسطينيون على الصعيد السياسي الرسمي هذه المبادرة؟ وهل يمكن أن يترجموا حسن النوايا الذي أبدوه بسلوكٍ عمليٍ جريء يُشبه ما قامت به حركة الجهاد الإسلامي؟ وما هي ردة الفعل الإسرائيلية وردة فعل بعض العرب خصوصاً المتخاذلين منهم؟