الوقت - قبل ثلاثة أيام بدأ أكراد سوريا المنضوين تحت مظلة الائتلاف المعروف باسم "قوات سوريا الديمقراطية" وبدعم مباشر من أمريكا بعمليات تحرير مدينة الرقة العاصمة المزعومة لتنظيم "داعش" الإرهابي. وقد حملت هذه العمليات اسم "غضب الفرات" وقوامها حوالي 30 ألف عنصر.
ويبدو أن معظم الأكراد السوريين كانوا غير راغبين بالاشتراك في هذه العمليات، في وقت أعلنت فيه تركيا عن استعدادها للمشاركة في هذه العمليات شريطة أن تستبعد عنها القوات الكردية.
فالأكراد يسعون إلى تشكيل منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا وتحديداً في كانتونات (كوباني- جزيرة- عفرين) الأمر الذي تعتبره تركيا بمثابة خط أحمر وترى فيه تهديداً لأمنها القومي، وقد حذرت مراراً من أنها لن تسمح بإقامة هذه المنطقة على يد (وحدات حماية الشعب) الكردية التي تعتبرها أنقرة بأنها تمثل امتداداً لحزب العمال الكردستاني"ب. ك. ك" المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا.
فإعلان أمريكا عن دعم العملية العسكرية التي بدأها أكراد سوريا لتحرير الرقة، يعني في الحقيقة تجاوز الاعتراض التركي في رفض الاعتماد على قوة كردية على الأرض لتحرير هذه المدينة، حيث تخشى أنقرة من تنامي طموحات الأكراد لإعلان حكم ذاتي على حدودها مع سوريا. وكان الجيش التركي قد شن هجوماً في وقت سابق على مدينة "جرابلس" غرب نهر الفرات بهدف منع أكراد سوريا من الوصول إلى عفرين والحيلولة دون تمددهم نحو غرب سوريا.
وتسببت هجمات تركيا على القوات الكردية السورية بإحراج واشنطن لأن الطرفين "التركي والكردي" يعتبران حليفين لواشنطن، وبالتالي فإن هذا الأمر من شأنه أن يعيق الأخيرة من تنفيذ خططها في سوريا.
وتسعى أنقرة إلى إبعاد أكراد سوريا إلى شرق الفرات، في حين يرفض الأكراد الانسحاب من المناطق التي تقع تحت سيطرتهم في غرب الفرات ومنها مدينة "منبج" التي كلفتهم استعادتها من الجماعات الإرهابية الكثير من التضحيات.
وينظر أكراد سوريا إلى طلب أمريكا منهم الانسحاب إلى شرق الفرات استجابة لطلب تركيا بهذا الخصوص، وكذلك سكوتها أمام الهجمات الجوية التركية التي تستهدف (وحدات حماية الشعب) بعين الريبة، بل يعتقد الكثير من الأكراد بأن واشنطن مستعدة للتضحية بهم من أجل إرضاء تركيا.
وبالتزامن مع طلبها من أكراد سوريا الانسحاب من غرب الفرات، طلبت منهم أمريكا أيضاً المشاركة في عمليات تحرير مدينة الرقة، الأمر الذي لم يكن الأكراد يرغبون به في بداية الأمر لأن غالبية سكّان الرقة هم من العرب ومن الممكن أن يسبب ذلك مشاكل للأكراد فيما بعد، كما أن السيطرة على الرقة لا تعد من أولويات الأكراد.
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال "جوزيف دنفورد" قد أعلن في وقت سابق خلال لقائه نظيره التركي الجنرال "خلوصي أكار" في أنقرة بأن القوات التركية ستشارك في تحرير الرقة، مشيراً في تصريحات صحفية إلى أن الطرفين (التركي والأمريكي) اتفقا أيضاً على كيفية إدارة هذه المحافظة على المدى البعيد عقب استعادتها، في حين أعلن نائب رئيس الوزراء التركي "نعمان قورتولموش" إن بلاده أبلغت "دانفورد" بأنها تعطي الأولوية في هذه المرحلة "لطرد" مقاتلي (وحدات حماية الشعب) الكردية من بلدة "منبج".
ويعتبر معظم المراقبين بأن موافقة واشنطن على بدء عمليات الرقة دون مشاركة تركية تأتي كحلقة من مسلسل الشد والجذب في العلاقة بين الجانبين، مشيرين إلى أن زيارة رئيس الأركان الأمريكي لأنقرة في نفس يوم تدشين العملية جاء لمحاولة طمأنة الجانب التركي بالسماح بمشاركة فصائل ما يسمى "الجيش الحر" المدعومة من قبل تركيا في فترات قادمة من هذه العمليات.
ويعتقد بعض المحللين بأن اتفاق أكراد سوريا مع أمريكا على استبعاد أي دور لتركيا أو للفصائل المسلحة المتحالفة معها في معركة الرقة نابع في الواقع من تجارب السنوات الماضية التي أثبتت أن أنقرة كانت حليفة لـ "داعش"، في حين أعرب آخرون عن اعتقادهم بأن عمليات تحرير الرقة هي بمثابة إعلان خطابي كان يهدف بالدرجة الأولى إلى تعزيز الحملة الدعائية لمرشحة الحزب الديمقراطي "هيلاري كلينتون" في انتخابات الرئاسة الأمريكية.