الوقت- شكّلت أحداث الأمس على الصعيدين الميداني والسياسي منعطفاً جديداً في الواقع العراقي الصلب، والذي زادته وحدة وتكاتف قوّاته المشتركة من الجيش والحشد والعشائر والبيشمركة منعةً حالت دون تكرارسيناريو الموصل 2014 في مدينة كركوك النفطية.
ميدانياً شهدت محافظة كركوك عمليات إرهابية مفاجئة مصدره تنظيم داعش الإرهابي والتحالف الدولي، في حين أن الواقع السياسي أحاديث عن اتفاق تركي عراقي نفته بغداد سريعاً، فضلاً عن وصول وزير الدّفاع الأمريكي آشتون كارتر إلى بغداد في زيارةٍ لم يُعلن عنها مسبقاً، لبحث سير المعارك ضدّ تنظيم "داعش" في الموصل.
هجمات ميدانية
تنظيم داعش الإرهابي، استغلّ انشغال القوات العراقية بالمعركة الحاسمة في محافظة نينوى حيث تسلّل عبر بعض البساتين إلى مدينة كركوك ليقوم بنتفيذ عدّة هجمات على محطة "دبس" للكهرباء في كركوك راح ضحيّتها ابتداءً 13 منتسبا بينهم 5 إيرانيين يعملون في المحطة من منتسبي شركة (صانير) الإيرانية المنفذة للمشروع.
لم تكن هجمات تنظيم داعش الإرهابي هي الضربة الوحيدة بالأمس، التي هدفت لتشتيت تمركز القوّات العراقية عن معركة الموصل التي تسير بوتيرة "أسرع مما خطّطنا له" وفق رئيس الوزراء حيدر العبادي، بل عمد طيران التحالف الدولي إلى شنّ غارة على مجلس عزاء للمدنيين في مدينة كركوك العراقية.
ضربة الطيران الدولي والتي أدّت إلى استشهاد 20 امرأة عزّزت من فرص داعش في المدينة، كما أنّها أثارت الرعب في نفوس المدنيين، فضلاً عن استدعاء قوات إضافيّة للمدينة بعد الضربة الأمريكية، الأمر الذي دفع ببعض الخبراء لاتهام واشنطن بافتعال الحادثة بغية دعم داعش في حين أن واشنطن التي تدعي محاربة الإرهاب في العراق، لم تكشف أبعاد وملابسات هذه الكارثة فضلاً تقديم الضالعين في الهجوم الإرهابي.
قوّات الأمن العراقيّة، بعد يومٍ وليلة من معارك مشتعلة مع تنظيم "داعش" الّذي حاول في كركوك تخفيف الضّغط عن جبهة الموصل الّتي يتكبّد فيها خسائر فادحة، بسطت سيطرتها بالكامل على مدينة كركوك وتمّ رفع حظر التّجوّل جزئيّاً، بتكلفة ناهزت46 شهيد و133 جريح، معظمهم من عناصر الأمن العراقيين فضلاً عن عشرات الشهداء من النساء والأطفال في غارة التحالف الدولي التي إن دلّت على شيئ فإنما تدل على عزم هذه القوى إيجاد فتنة بين العراقيين عبر دفع الحشد الشعبي للتوجّه إلى هناك وإدخاله في مواجهة مباشرة مع البيشمركة الأمر الذي يصب في صالح "داعش" والمشروع الأمريكي على حدّ سواء.
قد يكون عدد الشهداء في كركوك قليلاً، مقارنة مع المجزرة التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي بالأمس في كلية الزراعة شمال الموصل والي أدّت إلى استشهاد ما لا يقل عن 250 بين مدني ورجل أمن سابق، إلا أن أبعاد هجمات كركوك لا تقتصر على التكلفة البشرية، بل تتعدّاها إلى "الاستراتيجيات" في معركة الموصل.
تطوّرات سياسيّة
من يراقب سير العمليات بالأمس في كركوك وما يرافقها من مستجدات سياسية داخلية وإقليمية يعي جيّداً، أن التحالف الدولي لن تقتصر أفعاله على الميدان بل سينطلق إلى الحلبة السياسيّة، وهذا ما يفسر نفي بغداد سريعاً لإعلان واشنطن التوصل إلى اتفاق بين العراق وتركيا بشأن عمليات الموصل، فضلاً عن زيارة وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر اليوم السبت إلى بغداد آتياً من الإمارات العربية المتحدة للاطلاع على تقييم العملية العراقية المدعومة من واشنطن في الموصل، إثر زيارة خاطفة لساعات قام بها إلى أنقرة إلى إشراك تركيا في معركة الموصل، وقد أوضحت مصادر عراقيّة أن الوزير الأمريكي يحمل دعماً أمريكيا للعراق مقابل تنسيق ثلاثي حول الموصل يضم تركيا.
الردّ العراقي جاء سريعاً حيث قال رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي في الإجتماع التاسع للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية، الذي افتتح اليوم في العاصمة العراقية بغداد، ان تركيا رفضت إعطاء العراق السلاح المطلوب ولم تقاتل "داعش" بل تقاتل من أجل توسيع دائرة نفوذها، موضحا أن تركيا تهددنا بإرسال الجيوش بدون دعوة منا وكانت قد رفضت مساعدتنا سابقا في مواجهة "داعش".
إذاً المعركة الجارية هي معركة نفوذ تسعى كل دول لاقتطاع حصّتها من العراق الذي أثبت خلال الأيام الماضية قدرته على مواجهة التهديدات الإرهابية لوحده، إلا أن خطوات المثلث الأمريكي –الداعشي- التركي الأخيرة تفرض على جميع القوات المشاركة بتحرير الموصل إلى رفع درجة التأهب واليقظة.
محاولات إشغال القوات المهاجمة في الموصل وارباك الوضع الامني في العراق، لن تقتصر على ما حصل بالأمس، بل في حال استمر الرفض العراقي "المحقّ" لمشاركة تركيا، سترفع الأخيرة من صوتها المذهبي الذي سيلقى صداه من قبل بعض الشخصيات التي لا تفقه سوى اللغة الطائفية التي تعد الدرجة الأولى على سُلّم التكفير.