الوقت - بعد استنفاذ كافّة الأوراق السياسيّة والعسكرية، يبدو أن المواجهة السعودية في اليمن تتخذ طابعاً اقتصادياً، ففي 18 سبتمبر أصدر الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي من منفاه في الرياض قرارًا جمهوريًا رقم (119) للعام 2016م بموجبه أقال مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، وشكل أخرى جديدة، ونقله من العاصمة اليمنية صنعاء إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًا.
وكما في الميدان والسياسة، لاقت الخطوة الأخيرة لهادي ردّاً يمنياً، بدأه محافظ البنك المركزي محمد عوض بن همام المقال ونائبه محمد أحمد السياني ومدراء عموم البنوك العاملة في اليمن (جمعية البنوك اليمنية)، مؤكدين على استمرار تعزيز الثقة بالجهاز المصرفي، في حين أن السيد عبد الملك الحوثي اعتبر في خطابه الأخير أن هذا القرار "جاء بتوجيهات من أمريكا رغم أن البنك المركزي كان حريصا على البقاء محايدا طوال الفترة الماضية للعدوان"، مبدياً ثقته الكبيرة في قدرة الشعب اليمني على مواجهة التحديات العسكرية والاقتصادية في آن واحد.
القرار مغامرة، كما وصفه العديد من الخبراء الاقتصاديين، باعتباره "يعرض مصادر عيش 1.2 مليون موظف يمني معظمهم في المحافظات الشمالية للخطر بل يعرض الاقتصاد اليمني للانهيار"، وحمل في طيّاته جملة من التساؤلات حول شرعية القرار، والأسباب التي تقف خلفه، فضلاً عن إمكانيّة التطبيق في ظل العديد من التحديات التي تواجه.
الناحية القانونية
لا شك في أن ضرر قرار هادي لا يقتصر على فئة دون أخرى، لاسيّما أن البنك المركزي في صنعاء كان يصرف كل المرتبات دون تمييز، بخلاف ما سنشاهده في الحقبة القادمة، وأما من الناحية الدستورية فيعد قرار نقل البنك المركزي إلى عدن وإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك مخالفاً للقانون للأسباب التالية:
أولاً: قضت المادة 4 من القانون رقم 14 لسنة 2000 بأن يكون المركز الرئيسي للبنك مدينة صنعاء لتسير أعماله داخل الجمهورية وخارجها.
ثانياً: تنص المادة 10 من ذات القانون علی أن يعين المحافظ ونائب المحافظ وأعضاء المجلس بقرار جمهوري بناء على ترشيح من مجلس الوزراء، وباعتبار أن حكومة أحمد عبيد بن دغر لم تحصل على ثقة البرلمان فإن قراراتها غير شرعيّة.
ثالثاً: جاء في المادة 11 من قانون البنك المركزي اليمني "لا يجوز أن يعين عضو في مجلس الإدارة أو أن يستمر في عضويته إذا كان عند تعيينه أو أصبح بعد تعيينه عضوًا في مجلس الوزراء أو عضوًا في مجلس النواب أو موظفًا عامًا باستثناء ممثل وزارة المالية"، وهذا ما لم يراه هادي في تعيين 7 أعضاء جدد وهم موظفون عموميّون.
رابعاً: يخالف القرار الفقرة 4 من المادة 10 من قانون البنك المركزي والتي جاء فيها "لا يجوز تنحية المحافظ أو نائبه أو أي عضو من أعضاء المجلس من منصبه لأي سبب آخر غير ما ذكر في هذه المادة". قرار هادي لم يتضمّن أي حالة تستوجب تنحية مجلس الإدارة، لاسيّما أن المجلس الحالي لم يكمل مدّته.
أسباب القرار
وأما من ناحية الأسباب، فيكشف القرار غياب أي أفق للحل السياسي، فضلاً عن كونه مقدّمة لإنهاء العدوان بالطريقة التي يريدها الطرف السعودي، لاسيّما أن الوقت لم يعد في صالحه حيث لم يبق أمام الانتخابات الأمريكية سوى ثلاثة أشهر، وإذا لم تسو أمورها الحدودية مع اليمن فستحتاج إلى سنة أخرى حتى تستقر الإدارة الأمريكية الجديدة، وبالتالي تسقط مبادرة كيري دون رجعة.
فبعد فشل كل الخيارات العسكرية والسياسيّة، واشتعال الجبهات الجنوبية السعودية، جاء القرار السعودي الذي يهدف لخلط الأوراق وتعميق معاناة المواطن اليمني، لاسيّما أن هادي لم يقدم أي التزامات بسداد مرتبات موظفي الدولة، الأمر الذي يضع كافة العاملين في مؤسسات الدولة المناهضين له تحت طائلة العقاب والابتزاز.
كذلك، يعد الضغط الشعبي على "أنصار الله" و"حزب المؤتمر الشعبي العام" أحد أبرز أسباب هذا القرار، فبعد أن حاولت السعودية طوال الفترة السابقة محاصرة الشعب اليمني عبر الحدود، تحاول اليوم فرض الضغوط الاقتصادية على الداخل اليمني، ولكن هذه المرّة من الداخل.
إمكانيّة التطبيق
وأما السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه اليوم فيتعلّق بإمكانيّة التطبيق، في ظل جملة من التحديات الأمنية والاقتصادية، لاسيّما أن هناك من عبر عن مخاوفه من التداعيات التي يمكن أن تصاحب هكذا قرار.
من الناحية الأمنية، لا تزال الأوضاع غير مستقرّة في مدينة عدن، التي باتت مرتعاً للقاعدة وتنظيم داعش الإرهابي وهو ما يهدد نقل البنك المركزي اليمني. هناك سيناريوهات متعدّدة تتعلّق بالشقّ الأمني ففي حال استولى عليه الانفصاليون والذين رحلوا أبناء الشمال من عدن بشكل كامل سيحرمون بقية الموظفين اليمنيين من رواتبهم. وأما السيناريو الثاني الأكثر ترجيحاً فهو سطوة الجماعات الإرهابية على البنك كما فعلت القاعدة في المكلا، وتنظيم داعش الإرهابي في الموصل، فسرقة 400 مليون دولار، كما حصل في الموصل، تكفي لتجنيد الآلاف من المقاتلين في هذه الجماعات، وبالتالي إسقاط المدينة بالكامل في أيديها.
وأما من الناحية الاقتصادية، فيواجه هذا القرار تحديات كبيرة لحكومة هادي التي أعلنت عودتها النهائية، الثانية وربّما الثالثة إلى الجنوب، أبرزها عدم توفر موارد اقتصادية للبلاد نتيجة لتوقف صادرات النفط والغاز التي تعتمد اليمن عليها بنسبة 70%. ففي ظل غياب السلع الأساسيّة بسبب الحصار مثل القمح والدقيق (الطحين) تؤكد الأمم المتحدة أن مناطق كثيرة في اليمن تقترب الآن من المجاعة مع نفاد معظم المخزونات.
في الخلاصة، وبعيداً عن شرعية القرار وأسبابه وتحديات الأمن والاقتصاد اللذين يعدّان وجهان لعملة واحدة، نجح البنك المركزي في صنعاء خلال أكثر من 18 شهر للعدوان في الوفاء بالتزاماته، إلا أن هادي اليوم اعتبر نفسه من خلال هذا القرار المسؤول عن دفع الراتب الشهري لموظفي الدولة، فهل سيفي هادي بالتزاماته "غير الشرعية" التي فرضها على نفسه؟ الإجابة تبقى برسم الأيام المقبلة.