الوقت- حول ما حصل في الحسكة و تداعيات هذا التصعيد الجديد في الساحة السورية إضافة للتهديدات الأمريكية باستقدام قوات جوية لسورية، كان لنا حوار مع مدير مركز دمشق للدراسات الدكتور بسام أبو عبد الله و الذي جاء في تفاصيله التالي:
الوقت: برأيكم لماذا أقدم الأكراد على هكذا خطوة في الحسكة في هذا الوقت تحديداً، و على ماذا يراهنون؟
الإستاذ بسام: "بدايةَ يجب الإلتفات إلى حقيقة أنه هناك مشروع كردي تدعمه الولايات المتحدة و الغرب بشكل مباشر، يمتد من شمال سوريا إلى جنوب شرق تركيا فشمال العراق وصولاً لغرب إيران، و هو مشروع واضح و مكشوف على الخرائط، و هذه نقطة أساسية يجب الإلتفات إليها، بدليل أن القوات الموجودة في شمال سوريا و التي تدعم الأكراد كما تقول ضد داعش هي من حرّك الطائرات الأمريكية البارحة و في أرض ذات سيادة بالرغم أن قواتها الخاصة هذه خارج نطاق الإطار القانوني و هي قوة محتلة، ثانياً أنا أعتقد أنه مع تصاعد العمليات و التنسيق الروسي الإيراني السوري و خروج الطائرات الروسية من قاعدة همدان الإيرانية إضافة إلى إحتمال تحول في الموقف التركي لا يزال قيد الدرس أجبر الأمريكي على الضغط في أي مكان لإشغالهم عن المعركة الأساس في حلب، فعملوا على فتح ثغرة في الحسكة بهدف إسقاط ثلاث مدن سورية الحسكة و دير الزور معقل داعش إضافة للرقة و هي مناطق في الشمال السوري تقع تحت الإهتمام الكردي الأمريكي، و هم اعتبروا أن القوات السورية و القوات الحليفة مشغولون بمعارك حلب لذا المطلوب فتح جبهة أخرى في إشارة إلى انه يمكن فرض واقع آخر غير المفروض في مدينة محررة أو لا يوجد إشكاليات فيها."
الوقت: برأيكم ما الضمانات التي قُدمت للأكراد للقيام بخطوة إنتحارية كهذه في وقتٍ تعيش فيه الحكومة السورية و حلفائها أفضل حالاتهم ميدانياً و سياسياً؟
الإستاذ بسام: "لا يوجد أي ضمانات، فالولايات المتحدة و الغرب تعهدوا للأكراد بإنشاء فدرالية و دعمها، أما الضمانات فغير موجودة، فأمريكا دائماً ما تستخدم شعوب المنطقة بعضها ضد بعض خدمة لمصالحها، و أنا أعتقد أن هذه الخطوة لا تدّل إلا على حماقة و عمالة أيضاً، إذ أن السلاح لدى هذه المجموعات الكردية هو من الجيش السوري بالأساس الذي سلّحها لكي تحمي هذه المناطق، أما أن تقوم بقتل الشعب السوري في هذه المناطق و تغدر بهم فهذه خطوة حمقاء، لأن الغالبية ليست كردية و بهذه الخطوة يُعادون جميع المكونات السورية الموجودة في الحسكة و الشمال السوري."
و تابع قائلاً: "لذا ما فعلوه ليس مجرد خطوة خاطئة بل قاتلة لهم، فالدولة السورية صبرت على الكثير من تصرفاتهم كي لا تفتح هكذا جبهات، و لكن وصلوا إلى مرحلة يقصفون المدينة و السكان الآمنين فيها و يعتدون على نقاط الجيش و يحاولون عزل نقاط الجيش عن المدينة، و هذا مخطط أمريكي إسرائيلي، لذا هؤلاء لا ينطبق عليهم الوصف بأنهم جزء من الشعب السوري، فقيادات الأسايش و حزب العمال الكردستاني في الشمال هي قيادات كردية تركية و ليست كردية سورية و هذه نقطة جوهرية، فضلاً عن العلاقة العضوية بينهم و بين قيادات الأحزاب الكردية في جنوب شرق تركيا، فالسلاح يتدفق من جنوب شرق تركيا إلى شمال سوريا، و البارحة تحدثت مصادر عن إنزال الألمان 78 طن من الأسلحة في مدينة أربيل لإيصالها إلى جنوب تركيا و شمال سوريا، لذا فهم يجدونها لحظة مناسبة لتوسيع دورهم في الوقت الذي ينشغل فيه المحور الروسي السوري بمكافحة الإرهاب في حلب."
الوقت: بدا الجيش السوري حازماً في تعاطيه مع الأكراد في الحسكة، إلى أي مدى يمكن أن تتطور الأمور خصوصاً أن الأمريكي هدد بإستخدام سلاح الجو ضد أي تهديد لمصالحه؟
الإستاذ بسام: "ما قام به الجيش السوري هو أمر منسّق، فجميعنا يعرف أن غرفة العمليات هي واحدة لجميع الحلفاء الروس و الإيرانيين و السوريين، و تحرك الطيران السوري يأتي في هذا السياق، و برأيي كان لابد من هذه الرسالة الحازمة و الرادعة من الجيش السوري لأن الأمريكان بلغوا من الوقاحة حداً يتفاوضوا فيه على هذه الأرض و كأن المكان مباح لهم و هم من يقرر ما يجري فيه، فهم يريدون إنشاء منطقة حظر جوي و منع الطيران السوري في هذه المناطق و هذا يكون خطره على الروسي في معركة حلب، لأنه يحد من قدرة الطيران السوري على ضرب أهداف ما يمسى بالمعارضة المعتدلة و هي تنظيمات إرهابية و حتى الأكراد لفرض واقع تقسيمي، و هم يريدون تكرار تجربة العراق التقسيمية في سوريا و ذلك بمنع نشاط الطيران السوري و حلفائه في تلك المنطقة تمهيداً لعمل جماعتها على الأرض، فهي لا تملك عدداً كبيراً من القوات على الأرض اذ تخاف من أي صدام قد يحصل و يهدد مشروعها بالتقسيم أو الفدرالية."
و تابع قائلاً: "فهي تريد إنشغال السوريين و حلفائهم بطرد الإرهابيين في الوقت الذي تعمل فيه على تقسيم تلك المنطقة الأمر الذي يستدعي تحركاً من جميع الحلفاء على الصعيد السياسي في كلٍ من العراق و روسيا و إيران، فكما رأينا مثلاً في العراق البرزاني يريد إعلان الإستقلال و هذا ما يشكل مركزاً لإنطلاق هذا المشروع و حتى القوى الكردية الأخرى التي تسعى لحلول دعت لإستقدام البيشمركة إلى شمال السوري و هي خطوة حمقاء بكل المعايير، أنا أستطيع أن أقول أن ما حصل هو خطوة أمريكية واضحة فهؤلاء الجماعات تسلحهم أمريكا و هي التي تحركهم و تحاول أن تعطيهم الشرعية في محاولة تقديمهم كمحارب للإرهاب و داعش، و هو أمر جيد أي التظافر في محاربة الإرهاب، إلا إذا ما كان الهدف هو إقتطاع جزء من الأراضي السورية و مواجهة الإجماع الوطني السوري لبناء دويلة على أراضيهم، و الشاهد على ذلك الوفد الذي أتى إلى دمشق و طالب بقوات دفاع وطني و طالب بقوات شرطة و بالإعتراف بالفدرالية اذ أرادوا إعتبار الأمر واقعاً و يريدون إعتراف الحكومة السورية بذلك و هو أمر مستحيل الوقوع، لذا فإن المطلوب ضرب القوات السورية لهذا المشروع بكل حزم و الذهاب بعيداً قدر ما يتطلبه الأمر بهدف الحفاظ على وحدة البلاد."
الوقت: هل برأيكم بات الأكراد ورقة تضحية في سبيل تحقيق مآرب أمريكية كما يحصل مع الجماعات المسلحة الأخرى؟ و ما مصيرهم في حال إنتهاء الأزمة السورية خصوصاً أنهم جعلوا السوريين بكامل أطيافهم إضافة للمحيط الدولي ينبذهم الآن؟
الإستاذ بسام: "نعم هذا صحيح تماماً، فإذا ما نجحوا يتخذ الأمريكيون هذه المنطقة كقاعدة لهم كما كردستان العراق، و في حال فشلوا سيكون مصيرهم كما باقي المسلحين الذي استخدموا كأداة لتنفيذ مشاريع خارجية، و لكن لنكون دقيقين فليس معظم الأكراد مع هذا المشروع فهناك قوى كردية وطنية ترفض ما يخطط له. لذا الأمر كالتالي في حال نجحوا تستفيد منهم و في حال فشلوا ترميهم كما رمت من قبلهم، و هذا أمر مهم لتستفيد منه باقي القوى الكردية في مختلف الدول لأن المشروع الكردي لا ينحصر في سوريا بل هو حلم يُعمل عليه في مختلف الدول التي تضم الأكراد من قبل الولايات المتحدة و هو مشروع إسرائيل ثانية في المنطقة، لذا كل الدول المعنية عليها العمل لمنع هذا المشروع الأمريكي الذي يقضم أراضي تركية و إيرانية و سورية بهدف إنشاء كيان يكون قاعدة لها في هذه المنطقة."
