الوقت – الأحداث التي شهدتها سوريا في عام 2011 عكست وجود أزمة داخلية لكن المكانة الجيوسياسية والإستراتيجية لهذا البلد تسببت بخروج الأوضاع عن السيطرة بسرعة وحولتها الى أزمة ذات أبعاد إقليمية وإستراتيجية تدخّل فيها لاعبون كثر مثل أمريكا وتركيا والسعودية وروسيا وايران وغيرهم، ولكل واحد منهم مصالح مختلفة.
وبغض النظر عن أهداف كل لاعب من اللاعبين في الساحة السورية فإن تأثير كل واحد منهم على سير الأحداث كان يختلف عن الآخر نظرا الى مستوى قدراتهم حيث كان البعض يدعم الأسد والبعض الآخر يساند المسلحين الإرهابيين.
وفيما يتعلق بتركيا فإنها فإنها ساندت الارهابيين بهدف إسقاط الأسد لكن هذه السياسة شهدت تغييرات بعد مضي 5 سنوات وبعد الإنقلاب التركي الفاشل وقد ظهرت بوادر هذا التغيير في زيارة اردوغان الى روسيا وفي زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة، ان هذه اللقاءات بالإضافة إلى المشاورات التي جرت بين مسؤولي البلدان الثلاثة عززت إعتقاد المحللين الإقليميين بأنها مقدمة لخروج أنقرة من المحور الغربي العربي وبدء التعاون الإستراتيجي بين طهران وموسكو في سوريا.
لكن إذا نظرنا إلى كافة الجوانب المؤثرة الداخلية والخارجية في رسم سياسات أنقرة في سوريا نجد ان رأي هؤلاء المحللون الإقليميون هو متفائل أكثر مما يجب وإن تغيير السياسات التركية بعد الإنقلاب الفاشل وحدوث بعض الخلافات بين أنقرة والغرب هو تغيير تكتيكي وليس استراتيجي لأن تركيا لديها علاقات كبيرة مع الغرب فهي من جهة تعتبر احد أعضاء الناتو وتستضيف قواعده ومن جهة أخرى تشارك في معظم القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط عبر محور الغرب والناتو.
ونظرا الى اوضاع تركيا في المرحلة التي تلت الإنقلاب ومرحلة الطوارئ التي تمر فيها تركيا لثلاثة أشهر والتطورات المتعلقة بقضية فتح الله غولن والمواجهة مع امريكا واوروبا في هذه القضية وكذلك استنباط تركيا عن سياستها الخارجية تجاه سوريا، يمكن التكهن بأن تركيا تسعى الى تعديل سياساتها فيما يخص سوريا وإبداء نوع من المرونة بهذا الشأن، وحسب هذا الأسلوب الجديد تحاول تركيا الدخول في عملية متعددة الأطراف لتستطيع من خلالها حل الأزمة السورية لكن هذا لايعني الإبتعاد عن امريكا واوروبا وستظل أنقرة نشطة ومتفاعلة ومتعاونة مع الغرب بالتوازي مع أداء دورها في المحور الايراني الروسي وهكذا يبدو ان تركيا تبحث عن إيجاد نوع من التوازن.
وفي ظل هذه الأوضاع يبدو مستبعدا ان تدعم تركيا بشكل حازم بقاء الأسد في السلطة وفي الحقيقة لن تركز تركيا كثيرا على قضية بقاء أو رحيل الأسد عن السلطة بل ستبدي مرونة في هذا المجال.
ان نهج الإعتدال الذي تريد تركيا إنتهاجه فيما يخص الأزمة السورية قد يعني تعديل سياستها في هذ السياق كما توصلت أمريكا ايضا إلى هذه النتيجة، ان إتباع هذه السياسة تكتسب أهمية لأنه تقرّب المواقف التركية الى مواقف ايران وروسي الى حد كبير وهذا يعني متابعة ودعم اجراء انتخابات قانونية في سوريا ومن ثم تشكيل حكومة قانونية وهذا الحل هو ما أكدت علية طهران وموسكو منذ بدء الأزمة السورية ولذلك يبدو ان تركيا تلمّح بأنها تتجه إلى نفس الإتجاه.
أما التحدي الذي مازال يعرقل هذه القضية هو تأكيد أنقرة على عدم مشاركة الأسد في الانتخابات المقبلة، لكن الإصرار على هذا الأمر يمكن ان يواجه الرفض الايراني والروسي ولذلك يبدو ان تركيا ستزيد من اتصالاتها مع ايران وروسيا من الآن فصاعدا من اجل التوصل إلى تفاهم مشترك حول مصير الأسد في سوريا.