الوقت- في وقت تُعيد فيه المنطقة صياغة نفسها، من الناحية الجيوسياسية، بدأت القوات البحرية التابعة لدولتي مصروالسعودية، تنفيذ المرحلة الرئيسية من المناورات المشتركة بمشاركة العديد من القطع البحرية وعناصر القوات الخاصة وطائرات الاستكشاف ومكافحة الغواصات. وفي الوقت الذي أعلن فيه الجانبان عن أن المناورات تأتي ضمن سلسلة تدريبات بحرية وجوية وبرية مشتركة بين مصر والسعودية بهدف تنمية قدرة القوات المشاركة على تخطيط وإدارة عمليات مشتركة للحفاظ على أمن وسلامة الملاحة بالبحر الأحمر ضد أي تهديد باعتباره ممرا دولياً هاماً للاقتصاد العالمي. فيما يحاول البعض إظهار هذه المناورات على أنها دليل بأن الجانبين السعودي والمصري متفقان في كافة الملفات التي تتعلق بالمنطقة. فما هي وقائع هذه المناورات؟ وكيف أن الهدف من هذه المناورات ليس سوى الإستعراض العسكري؟
أولا: وقائع المناورات المشتركة:
"مرجان 15" هو الإسم الذي أُطق على المناورات المشتركة بين الجانبين السعودي والمصري. وقد أفاد الجيش المصري في بيانه يوم السبت 14 فبراير/شباط إن التدريبات "مرجان 15" تشمل التصدي لمخاطر العائمات السريعة التي تعترض السفن التجارية في الممرات الملاحية وكيفية مواجهتها، واعتراض السفن المشتبه بها، والتدريب على مهام البحث عن الغواصات ورصد وتتبع الأهداف الجوية المعادية وتدميرها". وكانت فعاليات المناورة البحرية المصرية السعودية المشتركة "مرجان 15" والتى تجريها وحدات من القوات البحرية المصرية والبحرية السعودية، قد انطلقت مطلع الأسبوع الجاري وتستمر لعدة أيام ونطاقها البحر الأحمر، بمشاركة عدد من الوحدات والقطع البحرية من المدمرات ولنشات الصواريخ وسفن النقل والإمداد وطائرات مكافحة الغواصات وعناصر القوات الخاصة البحرية لتنفيذ العديد من الأنشطة التدريبية. ومن هذه الأنشطة قيام الجانبان بتخطيط وادارة أعمال قتال مشتركة نهارا وليلاً لتأمين النطاق البحرى بالبحر الأحمر. بالإضافة إلى التدريب على أعمال الاعتراض البحري والإمداد والتزود بالوقود ومكافحة الغواصات، وأعمال مكافحة التهريب والقرصنة البحرية وتنفيذ حق الزيارة والتفتيش واقتحام السفن المشتبه بها بمشاركة عناصر من القوات الخاصة البحرية من الجانبين.
ثانياً: للمناورات المشتركة ... مصالح لا تتعدى الإستعراض العسكري:
مما لا شك أن المناورات المشتركة جاءت لتؤكد قوة العلاقات بين الجانبين المصري والسعودي، فهي رسالة للعالم مفادها بأن العلاقات بين الدولتين لم تختلف بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولكن هذا لا يعني موافقة مصر على ما تتبعه السعودية من سياسات مع دول المنطقة وبالتحديد اليمن، وهذه الحقيقة هي عكس ما حاولت بعض المصادر الإشارة له. وهنا ينبغي التأكيد على التالي:
- من الممكن أن يكون أهم أهداف المناورات، إظهار حسن العلاقة بين الطرفين، وذلك كمحاولةٍ للتغطية على التسريبات الصوتية التي أخرجتها بعض الجهات الداخلية ونسبتها للرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك بهدف إحداث وقيعةٍ بين الجانبين السعودي والمصري. فجاءت المناورات لتؤكد أن العلاقة بين مصر والسعودية ما تزال جيدة وطبيعية.
- إن أي دولةٍ تقوم بإجراء مناورات عسكرية، تهدف من خلالها الى إظهار القوة التي تمتلكها، وبالتالي فإن هذه المناورات هي بمثابة إعلان للعالم عن أن الدولتين لديهما قوات بحرية قوية تستطيع تأمين حركة الملاحة العالمية في هذا الممر البحري المهم. فاستعراض القوة هو الهدف الطبيعي لأي مناورات. وقد أشارت مصادر إعلامية أن مصر والسعودية تقيمان علاقات عسكرية وثيقة منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منصبه، وبالتالي فإن هذه المناورات تأتي في إطار هذه السياق الطبيعي للعلاقات العسكرية بين الطرفين، ولذلك فإنه ليس بصحيحٍ ما يحاول البعض ترويجه بأن مصر تساهم الى جانب السعودية من إرسال رسائل للداخل اليمني وبالتحديد لحركة أنصار الله، لأن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً.
- فصحيحٌ أنه لا يمكن فصل المناورات عن الأحداث التي تشهدها المنطقة ومنها اليمن، ولكن إجراء دولتين كمصر والسعودية مناوراتٍ مشتركة، لا يعني اتفاقهما على كل السياسات المتعلقة بدول المنطقة. فإذا كانت السعودية تحاول استعراض قوتها كرسالة واضحة للعالم، ولتقول له ما زلت موجودة، ولتحاول التعويض عن خسارتها وتراجع نفوذها في المنطقة، فمصر تشارك الى جانب السعودية في المناورات كمحاولةٍ منها لإعادة الإعتبار لوضعها الإقليمي بعد ما جرى عليها من أحداث في الآونة الأخيرة، ساهمت في ضرب الإستقرار المصري الداخلي وتراجع الوضع الإقتصادي. لذلك يجب الإلتفات الى أنه من غير الصحيح قراءة المناورات المشتركة على أنها اتفاق على كل شيء بين الجانبين السعودي والمصري. وفي الوقت الذي تحاول فيه السعودية إعادة هيبتها التي خسرتها في الأحداث الأخيرة التي جرت في المنطقة وبالتحديد اليمن، تحاول مصر إظهار القوة لإعادة التوازن لدورها، بعد ما لحقها من ضرر داخلي إثر الإضطرابات الداخلية فيها، يعرف الجميع أن للسعودية دور فيها.
- إن المناورة «مرجان 15» هي رسالة لجميع دول العالم أيضاً، وقبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده بشرم الشيخ، قريباً، لإظهار أن القوات السعودية وبالتحديد القوات المصرية قادرة تماماً على حماية حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر بدءاً من مضيق باب المندب وحتى قناة السويس والبحر الأحمر، وذلك ليكون خير رسالة على العمليات الإرهابية الغادرة التي تحدث منذ فترة في الداخل المصري والتي تريد أن توصل صورة مفادها بأن مصر غير آمنة وغير مستقرة.
إذاً إنها سياسة المصالح التي تجمع الطرفين ليس إلا. سياسة يحاول البعض إظهارها بأنها اتفاق على كل الملفات الساخنة في المنطقة، محاولين استغلالها في السياسة الدولية لتحقيق أهداف معروفة. لكن الأهم من كل ذلك هو أن هذه المناورات المشتركة لا تتعدى كونها استعراض قوة للطرفين المصري والسعودي، الذين جمعتهما الجغرافيا البحرية أي باب المندب، بالرغم أن لكل طرفٍ هدفه المختلف. فمن يتحدث عن أن مصر اليوم متفقةٌ مع السعودية في كل الملفات، هو مخطئٌ تماماً، فهل نسي هؤلاء الدور الذي لعبته السعودية في زعزعة استقرار الجمهورية المصرية؟