الوقت- من الأمور اللافتة التي حظيت بإهتمام المراقبين في الثورة الشعبية البحرينية المتواصلة منذ شباط/فبراير 2011 وجود أكثر من 30 حزب وحركة سياسية وإجتماعية في البلاد، معظمها تعمل وتتحرك ضمن الوسط الشيعي.
وتطالب ستة من هذه الأحزاب والحركات بإسقاط نظام آل خليفة بينها (الوفاء، الأحرار، إئتلاف 14 فبراير، وإئتلاف علماء 14 فبراير)، فيما تطالب حركات أخرى في مقدمتها جمعية الوفاق الوطني بإجراء تغييرات سياسية وإشراك الشيعة في حكم وإدارة البلاد.
ويرى بعض المحللين في وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب في البحرين بأنه يشكل تهديداً على مستقبل الثورة الشعبية، فيما يعتقد آخرون بأن سلطات آل خليفة هي التي أسهمت في إيجاد العديد من هذه الأحزاب بتخطيط ودعم من بريطانيا لتشتيت قوى الثورة وزرع بذور الخلافات في صفوف المعارضة.
ومن الحقائق التي ينبغي الإلتفات إليها هي أن شيعة البحرين كانوا من المؤيدين للحكومة في حقبات تاريخية سابقة فيما كان السنّة من المعارضين، وليس كما يحاول البعض الإيحاء بأن الشيعة كانوا مضطهدين ومحكومين من قبل الأقلية السنيّة في تلك الأزمان.
لكن بعد إندلاع الثورة الشعبية قبل أكثر من خمس سنوات إنخفض عدد الشيعة الموالين للحكومة إلى حد كبير، وتضخم السلوك الطائفي من قبل السلطات في حكم البلاد إلى الحد الذي بات يهدد وحدة المجتمع بشكل لم يسبق له مثيل. وساهم في تكريس هذا السلوك عزف وسائل الإعلام التابعة للسلطة على الوتر الطائفي وإثارتها لمخاوف السنّة بأن البحرين قد تتحول إلى عراق آخر إذا لم تُتخذ إجراءات قاسية ضد الشيعة تحول دون وصولهم أو مشاركتهم في السلطة.
ويحذر المراقبون من خطورة الإستمرار في هذا النهج الطائفي على النسيج الإجتماعي، خصوصاً وان الثورة في البحرين لا تقتصر على الشيعة فقط؛ بل تشارك فيها بقية المكونات الإجتماعية التي تطالب أيضاً بالإصلاح السياسي وتطبيق العدالة بغض النظر عن الإنتماء الطائفي.
و تسببت دعوة بعض الأطراف الشيعية في البحرين إلى إسقاط حكم آل خليفة والمطالبة بإقامة نظام جمهوري بدل الملكي في إثارة مخاوف الوسط السنّي، خشية أن يتحول هذا النظام إلى حكم إسلامي - شيعي في المستقبل.
من جانب آخر زاد وصف السلطات للمعارضين الشيعة بالأعداء وإتهامهم بالخيانة من حدّة الإحتقان الطائفي في المجتمع، إلى جانب الممارسات القمعية والتعسفية التي تشمل الإعتقال والتعذيب النفسي والجسدي الشديد والفصل من الوظائف وإستهداف الرموز الدينية والوطنية وإسقاط الجنسية عن عدد كبير منهم وفي مقدمتهم المرجع الديني آية الله الشيخ عيسى قاسم.
من ناحية ثانية أدى حرق وتخريب أكثر من 180 مسجد ومؤسسة ومركز ديني شيعي على يد الأجهزة الامنية وعناصر الشرطة المدعومة سعودياً في زيادة التوتر الطائفي في البحرين، ووصل الأمر إلى حرمان الشيعة من العمل في الوظائف الحكومية ما أضطر الكثير منهم إلى البحث عن فرص عمل في خارج البلاد. كما قامت الحكومة بتجنيس الآلاف من غير البحرينيين بهدف تغيير البنية السكّانية للبلد، وقد تم إستخدام الكثير من هؤلاء في قمع الشعب البحريني، إلى جانب إتهام السلطات للمتظاهرين المطالبين بالإصلاح السياسي بالإرتباط بالخارج لاسيّما الجمهورية الإسلامية في إيران لتبرير ممارساتها الطائفية وقمعها الشديد لهم.
وتشير بعض التقارير إلى أن عدد الأجانب المجنسين سياسياً في البحرين وصل إلى حدود 300 ألف شخص منذ إندلاع الثورة، بينهم باكستانيون ويمنيون وبلوش وبقايا حزب البعث المنحل في العراق.
وخلاصة القول إن النظام البحريني لم يدع طريقاً لقمع وتشويه وإجهاض الثورة البحرينية إلاّ سلكه لاسيّما إثارة النعرات الطائفية وتأجيج الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد، وإذا لم تتحد الأحزاب والحركات السياسية فيما بينها ضد هذا التوجه فمن المستبعد أن تقطف الثورة ثمارها في المستقبل القريب.