الوقت- أعادت جريمة ذبح الطفل الفلسطيني في مدينة حلب التي ارتكبتها جماعة نور الدين الزنكي الارهابية وشارك فيها قيادات للجماعة الارهابية، الاذهان إلى خلفية قادة الجماعات التي تدعمها واشنطن وتصنفها على أنها جماعات معتدلة. الجماعة الارهابية من جهتها أصدرت بياناً حاولت فيها التملص من المسؤولية والزعم بأن الجريمة التي حصلت هي تصرف فردي، ولا يمثل الجماعة، إلا أن الشواهد تشير إلا أن هذا العمل لم يكن اسثنائياً في تاريخ الجماعات المسلحة التي تصنفها واشنطن على أنها معتدلة، كما أن السيرة الذاتية للأشخاص الذين يتولون قيادة هذه الجماعات، يجعل الصفة الاجرامية والسلوك الاجرامي أمر غير مستبعد عنها، كون العديد منهم من أصحاب السوابق والمدانين بجرائم عديدة.
هنا، فيما تسميها واشنطن "الثورة السورية"، نجد ظروفاً وعواملاً تختلف عما يحدث عادة في الثورات، القيادات بالذات والسير الذاتية لها أمر يستحق التأمل، ففي العادة يقود الثورات النخب والمثقفين وأصحاب التحصيل العلمي العالي، أما قادة الفصائل المسلحة التي تدعمها أمريكا، فهم في الغالب من الأميين، إما عامل بناء، أو لحام، أو بائع دخان (السجائر)، وإن كنا لا نقصد أن نمتهن من قيمة أي مهنة أو قيمة العاملين بها، إلا أن العقل السليم يسأل أين مكان المثقفين في ثورة مزعومة في بلد غالبية شبابه من حملة الشهادات الجامعية. كما أن غالبية هؤلاء "القادة" الارهابیین لم يُعرفوا بسيرة طيبة في محيطهم (وهو ما سنأتي على ذكره بالتفاصيل لاحقاُ) ، بل إن الكثير منهم من أصحاب السوابق وخريجي السجون، لكنهم اليوم تحولوا إلى قادة يأمرون، وينحصر السلاح النوعي الذي تقدمه أمريكا بين أيديهم، وخزائنهم مليئة بأموال الدعم السعودي والقطري، ويلبسون الطقوم (البدلات الرسمية) ويحاضرون في الحرية والإنسانية على منابر اسطنبول.
كثيرة هي التقارير التي تحدثت عن ممارسات قادة المعارضة المسلحة ووصفتهم باللصوص وقطاع الطرق، فهذا الجانب من شخصية قيادات المعارضة كان مفضوحاً منذ بداية الأزمة السورية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أوردت الوكالة الفرنسية في أوائل 2013 تقريراً ينعى فيه أحد المقاتلين المعارضين، ويصف قادة "الجيش الحر"، باللصوص والفاسدين، وقد تحدث التقرير عن الثروات الهائلة التي غنمها قادة الجماعات المسلحة، نتيجة أعمال النهب التي قاموا بها تحت سطوة السلاح. كما نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في نفس الفترة تحقيقا موسعا من مدينة حلب تضمن شهادات لمراسلها تقشعر لها الأبدان عن أعمال النهب واللصوصية التي يقوم بها المسلحون "الثوار". وآخر التقارير الدولية كان ما صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية في 5 تموز/يوليو أكدت فيه أن ما يسمى بـ "المعارضة السورية" المدعومة من قطر والسعودية وامريكا مسؤولة عن عمليات القتل والخطف والتعذيب في المناطق السورية شمال حلب وإدلب والمناطق المحيطة بها.
في هذا التقرير نسلط الضوء على السيرة الذاتية لبعض قادة الجماعات المسلحة الذين تصنفهم واشنطن "معتدلين" كاشفين اللثام عن الممارسات الاجرامية لهؤلاء الأشخاص، والذين يعبرون بكل وضوح عن هوية الجماعات التي تأتمر بأمرهم، والتي يحاربها الجيش السوري.
نبذة عن السيرة الذاتية لبعض قادة الجماعات المصنفة "معتدلة"
تاريخ مليء بالجرائم والفضائح لقادة الجماعات المسلحة، والمستور من ممارسات هذه الشخصيات، مازال أكثر بكثير من المعلن، وذلك في ظل الجهد الكبير الذي تبذله الماكينات الاعلامية الضخمة التابعة للدول الداعمة لهم، من أجل تبييض هذه الشخصيات، والتستر على جرائمها، وفيما يلي نذكر نبذة عن بعض هذه الشخصيات:
توفيق شهاب الدين: اللّحام المدان بقتل شقيقته عام 1999
يطلق عليه أتباعه اليوم لقب "الشيخ توفيق" وهو القائد والمؤسس لما تسمى "حركة نور الدين الزنكي" والتي كان آخر جرائمها ذبح الطفل الفلسطيني في مخيم حندرات في حلب قبل أيام. وهو من مواليد 1973 من قرية "قبتان الجبل" (غرب حلب)، غير حاصل على أي شهادة تعليمية، قبل اندلاع الأزمة في سوريا كان يعمل لحاماً مختصاً بلحم الجمل. ووفقاً لوثائق كشف عنها مؤخرا فرع الأمن الجنائي بحلب، فقد أدين شهاب الدين عام 1999 بجريمة قتل أخته الأرملة والمعيلة لأسرتها، وأُلقي القبض عليه بموجب مذكرة رقم 13/2001، وأوقف بمذكرة أخرى صادرة عن جنايات حلب بتاريخ 8 شباط 2001 ثم صدر بحقه حكم مخفف لثبوت قتله لأخته بدافع الشرف.
منذ ظهوره على مسرح الأحداث كان يعتبر من الشخصيات المقربة جدا من تركيا، وقد كان من المسؤولين عن حادثة اختطاف الناشطتين الإيطاليتين فانيسا مارزولو، وغريتا راميلي في آب 2014، وعندما طالبت تركيا بالافراج عنهما، تفوه بكلام مسيء لتركيا، مما أدى إلى عزله عن قيادة الحركة لفترة وجيرة.
فتح علاقة طيبة مع قطر، وكان من الشخصيات التي اهتمت بها قناة الجزيرة القطرية، وأسهمت في تعويمها، وأجرت لقاءات معه، لتظهيره على أنه رجل معتدل معارض لداعش، كما يعتبر من أبرز الشخصيات المقربة من واشنطن، حيث كان من بين قادة المجموعات الذين التقاهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تركيا، بوصفهم "قادة مجموعات معتدلة".
يتلقى توفيق الدعم الأمريكي عبر غرفة عمليات الموك في الأردن، وقد ظهر في اسطنبول في أواخر 2014 خلال مؤتمر للفصائل المسلحة، مرتدياً بدلة رسمية (على خلاف لباسه التقليدي) وتحدث في مؤتمره الصحفي عن الحرية والانسانية، ومحاربة الارهاب.
عمر سلخو: المسؤول المباشر عن ذبح الطفل الفلسطيني
ويعتبر من قادة الصف الأول في حركة نور الدين الزنكي، ويشغل منصب مسؤول قطاع حلب في حركة "نور الدين الزنكي" إضافة لمنصب نائب القائد العام للحركة، وقد ظهر في شريط الفيديو الذي هز العالم وهو يتوعد الطفل الفلسطيني الجريح والمصاب بمرض التلاسيميا، بالذبح، دون أن يستجيب لتوسل الطفل بأن يقتلوه بالرصاص بدلا من الذبح، وقد رد على الطفل قائلاً: "قواص مافي..نحن ابشع من الدواعش".
وهو من أمر بسحب الطفل من أحد المستشفيات، وتنفيذ الجريمة المأساوية بحق الطفل، انتقاماً لقتلى الجماعات الارهابية على جبهة حندرات، كما طلب سلخو في الفيلم وبشكل "مقزز" من مسلحي الحركة التقاط صورة "سيلفي" له مع الطفل المصاب قبيل ذبحه!
ولا يبدو من خلال الشريط المصور أن جريمة ذبح الطفل، هي الأولى لهذا الارهابي، قد تكون الأولى التي تظهر أمام الكميرات، حيث بدا الذباحون في أوج هدوئهم وابتهاجهم أثناء جز عنق الطفل، مما يدل على أنهم اعتادوا كثيراً على هذه الممارسات.
ويعد سلخو من أوائل الذين خرجوا عن القانون وحملوا السلاح في حلب، كما ظهر في العديد من المقابلات مع شبكات تلفزيونية، كتلفزيون الآن، كما ظهر أثناء تلاوة بيانات الحركة كأحد القادة الموقعين على هذه البيانات.
جمال معروف: "النسونجي" صاحب آبار الجثث والرؤوس المقطوعة
خلافاً لتوفيق شهاب الدين المحسوب على تركيا وقطر، يعتبر جمال معروف قائد ما يسمى "جبهة ثوار سوريا" أحد أهم رجال السعودية في سوريا، وقبل انطفاء نجمه، كان معروف من أهم الشخصيات التي تثق بها أمريكا وتمدها بالسلاح النوعي، حيث كان المسؤول عن توزيع صواريخ تاو المضادة للدروع لبقية الجماعات المسلحة.
وُلد جمال خالد معروف عام 1971 في قرية دير سنبل في جبل الزاوية في إدلب. وتشير المعلومات المتوافرة عنه إلى أنه لم يتلقّ من التعليم حدّه الأدنى، فلم يُكمل المرحلة الابتدائية. وقد كان يعمل قبل اندلاع الأزمة في سوريا في لبنان كعامل بناء، عاد في أواخر 2011 إلى سوريا، وقام من خلال الدعم السعودي، ومن خلال علاقات تربطه ببعض شخصيات تيار المستقبل، بتشكيل مجموعة مسلحة صغيرة، توسعت لاحقاً وأطلق عليها "لواء شهداء سوريا"، وفي 2012 تحولت إلى "جبهة ثوار سوريا"، وبالرغم من غيابه عن الساحة اليوم بعد أن تمددت جبهة النصرة على حساب الجماعة التي يقودها في ريف إدلب، إلا أن بقايا "جبهة ثوار سوريا" والتي تحارب في جنوب سوريا، مازالت تتلقى الدعم عن طريق غرفة عمليات "الموك" في الأردن.
ارتكب معروف الكثير من جرائم القتل في حلب وجبل الزاوية، ومعروف عنه أنه لم يكن يدفن ضحاياه تحت التراب، بل كان يأمر بإلقائهم في بئرين قريبين من منزله في ريف إدلب، وبعد أن أنهت جبهة النصرة وجوده في ريف إدلب، تم العثور على أكوام من الجثث والرؤوس المقطوعة في هذه الآبار.
تصفه الأوساط المعارضة باللص والنسونجي، وهي التهمة التي حاول نفيها في حديث مع وكالة يونايتد برس الأمريكية قائلاً: " لست لصا وحصلت على اموال من الرياض و واشنطن.. تزوجت ثلاث مرات وانجبت 13 طفلا"، إلا أن الدائرة تتهمه باستغلال الأزمة لزيادة أمواله وثروته، كما تتهمه ببيع الجبهات، ويقولون بأنه يستغل الأموال التي تتدفق عليه من الجهات الداعمة للبحث عن النساء، حيث أنه تزوج أربع مرات، ثلاث منها في عهد الأزمة.
أحمد عفش: لص حلب وملياردير "الثورة"
بالرغم من غيابه عن الساحة السورية في الوقت الحالي بعد أن طاردته داعش واضطرته لترك سوريا، واللوذ بتركيا، إلا أنه كان من الشخصيات البارزة في قيادة "الجيش الحر" في حلب، حيث كان المؤسس والقائد لما يعرف بـ "لواء أحرار سوريا" التابع للجيش الحر.
ولد أحمد عفش عام 1970، في حلب في بيت متواضع في منطقة الخالدية الفقيرة، وتنحدر عائلته من بلدة عندان (12 كيلومتراً شمال حلب)، كانت عائلته من أفقر عائلات الحي، لم يكمل تعليمه الابتدائي، وكان يعمل في نقل أكياس الأتربة المستخدمة في عمليات البناء على ظهره. لم يتمتع بسمعة طيبة، وكان معروف عنه تعاطي "حبوب الهلوسة" وعلاقاته مع زعران الحي.
بعد اندلاع الأزمة السورية، اسس فصيله المسلح بدعم من أثرياء بلدة عندان التي ينحدر منها، ثم بدأ يحصل على تمويله من أشخاص سعوديين، وتوسعت جماعته المسلحة لتشمل 2000 عنصر تحت مسمى "لواء أحرار سوريا"، وبمرور الوقت بدأ يكسب الكثير من الأموال عبر عمليات السرقة، حيث استولى على كميات هائلة من مخزون القمح في مستودعات مؤسسة "إكثار البذار" في حلب، كما نهب كثيراً من المصانع والمستودعات في المدينة، وفرض الأتاوات على أبناء المدينة، كما اعتمد على عمليات الخطف وطلب الفدية لتمويل جماعته التي كان ينفق عليها بسخاء.