الوقت - قبل يومين زعمت وزارة الداخلية البحرينية بأنها فككت خلية مرتبطة بإيران كانت تخطط لتنفيذ هجمات في البحرين، وأشارت كذلك إلى أنها إعتقلت خمسة أشخاص مشتبه بهم وبحوزتهم مواد لصنع قنابل وأسلحة نارية وبيضاء.
الخارجیة الإیرانیة رفضت هذه المزاعم بشكل قاطع، ودعت على لسان المتحدث بإسمها "بهرام قاسمي" سلطات المنامة إلى أن تجد حلولاً للمشاکل المتزایدة التي تواجهها في الداخل، بدلاً من اللجوء الی تعليق هذه المشاکل على شمّاعة الآخرین. وإعتبر قاسمي إجراءات الحكومة البحرينية بأنها تدل على أنها لا تسعى إلى حل المشاكل الراهنة، محذراً في الوقت ذاته من أن هذه الممارسات ستؤدي إلى مزيد من تعقيد الأوضاع.
والتساؤل المطروح: ما هي خلفيات المزاعم البحرينية ضد إيران، ولماذا جاءت في هذا الوقت بالذات؟
يمكن الاجابة عن هذا التساؤل بما يلي:
- شهدت البحرين خلال الأسابيع الأخيرة وتحديداً بعد قرارها إسقاط الجنسية عن المرجع الديني آية الله الشيخ عيسى قاسم، موجة عارمة من الغضب الشعبي للمطالبة بإلغاء هذا القرار. وقد إعتصم حشد كبير من البحرينيين أمام منزل الشيخ قاسم في منطقة الدراز لهذا الغرض، إلاّ أن قوات الأمن البحرينية هاجمت المعتصمين وسعت لتفريقهم بالقوة.
- عمدت السلطات البحرينية خلال هذه الفترة إلى حلّ جمعية الوفاق الوطني الإسلامية - أكبر جماعة معارضة في البلاد - ومصادرة ممتلكاتها، وإعتقال الشيخ محمد صنقور إمام أكبر جمعة في البحرين، والناشط الحقوقي المعروف نبيل رجب، كما منعت الناشطة الحقوقية ريحانة الموسوي من السفر إلى الخارج في إطار حملة جديدة من القمع التي يتعرض لها الشعب البحريني الذي يطالب بحقوقه المشروعة في الإصلاح والتغيير السياسي منذ أكثر من خمس سنوات من خلال التظاهرات والإحتجاجات السلمية في العاصمة المنامة وباقي مدن ومناطق البلاد. وقد وصفت المنظمات الدولية ومن بينها مكتب الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون " هذه الإجراءات بأنها جزء من حملة أوسع ضد الحريات من جانب السلطات البحرينية في إطار تشديد الضغوط على الشخصيات والجمعيات المعتدلة في البلاد.
- تواجه البحرين إنتقادات شديدة ومتواصلة من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية والتي تطالبها بإطلاق سراح المئات من المتظاهرين ومعتقلي الرأي فوراً دون قيد أو شرط وإحترام إرادة الشعب البحريني في التعبير عن حقوقه المشروعة في العيش الكريم وتحكيم الديمقراطية ونبذ التمييز الطائفي بين أبناء البلد الواحد.
- تسعى سلطات آل خليفة بإستمرار لإتهام المعارضة البحرينية بالإرتباط بالخارج خصوصاً إيران، ومحاولة زعزعة الأمن والإستقرار في البلاد لتبرير إجراءاتها القمعية ضد الشعب البحريني.
- تسعى سلطات المنامة لإتهام طهران بالتدخل في الشؤون الداخلية البحرينية بهدف تحريض وتأليب الرأي العام الإقليمي والدولي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران.
- تسعى السلطات البحرينية من خلال مزاعمها بإعتقال أشخاص مشتبه بهم بالتورط بالإرهاب لكسب مشاعر وتعاطف الرأي العام الإقليمي والدولي، وحرف الأذهان عن الممارسات القمعية التي تمارسها هذه السلطات ضد الشعب البحريني ورموزه الدينية والوطنية وفي مقدمتهم آية الله الشيخ عيسى قاسم، وتخفيف الإنتقادات الموجهة إليها من قبل الهيئات والمؤسسات الحقوقية والإنسانية على خلفية هذه الممارسات التي تعكس العقلية الإستبدادية وإنعدام القانون في البحرين.
من هنا يمكن القول بأن المزاعم البحرينية الأخيرة بشأن تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بإيران وضبط كميات من السلاح بحوزتها تأتي في سياق الإتهامات المتكررة التي تطلقها سلطات آل خليفة ضد طهران بين الحين والآخر للإيحاء بأن الشعب البحريني وخصوصاً الشيعة يتلقون الدعم من الجمهورية الإسلامية في إيران لتبرير قمعها للمتظاهرين والمحتجين من جهة، ولتصورها من جهة أخرى بأن هذه المزاعم المختلقة بإمکانها أن تحرف أنظار الرأي العام العالمي عن الجرائم التي ترتكبها هذه السلطات ضد البحرينيين لثنيهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة وفي مقدمتها حرية التعبير عن الرأي ونيل الديمقراطية في ظل دستور يضمن لهم الحياة الحرّة الكريمة.
ويعتقد المراقبون بعدم جدوی الإجراءات القمعية التي تتخذها سلطات المنامة ضد الشعب البحريني ويطالبوها بالإهتمام بالحلول الجذرية للمشاکل الداخلیة بدلاً من إطلاق الإتهامات الفارغة ضد الجمهورية الإسلامية في إيران والتي تهدف إلى التهرب من الواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب البحريني.
وقبل نحو أسبوعين صوّت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على قرار يدين إجراءات النظام البحريني ضد المعارضة السلمية والمدافعين عن حقوق الإنسان والتي تمثلت بتجريد الشيخ عيسى قاسم من الجنسية وتشديد العقوبة على الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان وإعتقال الحقوقي البارز نبيل رجب وقضايا أخرى.
كما دعا البرلمان الأوروبي في بيان إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المدافعين عن سجناء الرأي في البحرين الذين أعتقلوا على خلفية مطالباتهم بحقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. وحمّل البيان الحكومة البحرينية مسؤولية ضمان أمن وسلامة جميع المواطنين بغض النظر عن وجهات نظرهم السياسية أو إنتماءاتهم، معرباً في الوقت نفسه عن إعتقاده بأن الإستقرار على المدى الطويل في البحرين يمكن تحقيقه فقط من خلال بناء مجتمع تعددي يحترم الإنسان وعدم إستخدام السلطة كوسيلة للضغط السياسي.