الوقت- جاءت التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاسبوع الماضي حول تسهيلات مرتقبة لمنح اللاجئين السوريين الجنسية التركية، مفاجئة للعديد من الأوساط الداخلية والخارجية. وقد لاقت هذه التصريحات الكثير من ردات الفعل، والتي كانت في أغلبها منتقدة للقرار، حتى ضمن الأوساط الداخلية لحزب العدالة والتنمية.
وقد احتل وسم "لا نريد السوريين في بلادنا" صدارة الوسوم المتداولة في تركيا على الشبكات الاجتماعية، رافقه الكثير من الشعارات العنصرية ضد اللاجئين السوريين، والتي رأت في الاقتراح ضرباً "للبنية الاقتصادية والثقافية للبلاد" وفق ما نقلت صحيفة "ديلي حرييت"، وقالت الصحيفة "إن السوريين مرحب بهم في تركيا، لكن بصفتهم لاجئين، لا بمثابة مواطنين يتقاسمون الأتراك امتيازاتهم".
اللاجئون السوريون في تركيا انقسموا بين مؤيد ومعارض للقرار، ففي الوقت الذي رأى بعض السوريين في الأمر مكرمة من الدولة التركية والرئيس أردوغان، انتقدت أصوات معارضة تصريحات اردوغان معتبرة أن المطلوب تركياً هو شيء آخر، حيث المطلوب هو تسهيل حصول اللاجئين السوريين على الاقامة، وحمايتهم من الاستغلال، والاعتراف بهم كلاجئين ذوي حقوق كاملة، ووقف التعليمات الدائمة لحرس الحدود بإطلاق النار على المدنيين، فهم يريدون حلا شاملاً لأزمة بلادهم، لا مزيداً من النقمة عليهم، من مجتمعات محلية وجماعات منظمة، تطالب بطردهم من بلدان اللجوء.
تصريح آخر للرئيس التركي أثار الكثير من الجدل وحفيظة السوريين بشكل خاص، هو ما وصف به منذ يومين سوريا بأنها "بلد يتجه نحو الزوال من الخريطة"، الأمر الذي قرأ فيه مراقبون تشجيعاً للاجئين السوريين على التقدم للجنسية التركية، طالما أن بلادهم مصيرها الدمار والزوال.
قرار تجنيس السوريين في تركيا يأتي متناقضاً مع الوعود التي أطلقها أردوغان في السابق "بإعادتهم كلهم إلى بلادهم عندما ينتفي سبب نزوحهم"، فما هو سبب هذا التحول في الموقف؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما علاقة هذا القرار بالمتغيرات الحاصلة أخيراً على الساحة السورية والتركية؟
التوقيت
تجدر الاشارة أن تصريحات أردوغان حول تسهيل منح الجنسية التركية لللاجئين السوريين، تأتي بالتزامن مع الخطوات التراجعية التي اتخذتها تركيا في سياستها الخارجية، والتي تجلت بشكل أساسي بتقديم اعتذار لروسيا وإعادة ترميم العلاقة معها، بعد أن ساءت العلاقة بينهما على خلفية اسقاط سلاح الجو التركي لطائرة روسية ضمن الأجواء السورية نهاية العام الماضي.
ويجمع المراقبون على أن الاستدارة التركية نحو روسيا، لاشك ستحمل معها مراجعة شاملة للسياسية التركية في التعاطي مع الشأن السوري، خاصة وأن وقائع الميدان بدأت تسير خلافاً للإرادة التركية، وهو ما تجلى في تقدم الجيش السوري وحلفائه في معركة حلب وتمكنهم من قطع الطريق الواصل إلى المناطق الشرقية من المدينة واطباق الطوق على المسلحين في تلك المناطق، وهو ماكان يعتبر إلى وقت قريب خطاً أحمراً بالنسبة إلى تركيا. يضاف إلى ذلك فشل تركيا في فرض المنطقة العازلة في الشمال السوري، وتلقي الجماعات المسلحة الموالية لها ضربات قاسية في ريف حلب الشمالي.
كما أن الاشارات السياسية التي أرسلتها تركيا في أكثر من مناسبة تشير بوضوح إلى أن تركيا عازمة على تغيير سياستها تجاه سوريا، وكان آخر هذه الاشارات، التصريحات التي أدلت بها مصادر في الخارجية التركية لـ "صحيفة الشرق الأوسط" السعودية، حول توجه تركي للقبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد لفترة انتقالية قصيرة، وهو ما اعتبرته المصادر امتدادا لتقارب أنقرة مع موسكو.
إن قرار منح الجنسية التركية للسوريين في هذا الوقت، هو اذعان من قبل اردوغان بسقوط مشروعه العثماني، وانحسار تطلعاته، وانحصارها بالشأن الداخلي التركي، ومحاولة الافادة القصوى من ملف الأزمة السورية من أجل تكريس سلطته الداخلية في تركيا قبل انفراط عقد هذه الأزمة، فأردوغان الذي أيقن بأن الرياح لن تجري وفق أمانيه، وأيس من تتويجه زعيما للعالم الاسلامي عبر البوابة السورية، لم يعد يهتم بعودة السوريين إلى بلادهم، بل يريد أن يستغل وجودهم من أجل تحقيق أهداف داخلية من شأنها تعزيز سلطته في الداخل التركي، وإن التصريح بـ"زوال سوريا من الخريطة" يأتي في سياق الحرب النفسية على اللاجئين السوريين، واعطاء انطباع بأن امد الازمة السورية سيطول، لتشجيع اللاجئين على التقدم لأخذ الجنسية التركية.
فأردوغان بشخصيته البراغماتية الذي عرف كيف يستغل أزمة اللاجئين السوريين للحصول على مكاسب من الاتحاد الأوروبي، يريد مرة أخرى أن يوظف هذا الملف لتحقيق مصالحه الشخصية في الداخل التركي.
ما مصلحة أرودغان من تجنيس السوريين؟
إن تجنيس اللاجئين السوريين في تركيا يشكل مصلحة كبرى لأردوغان، حيث أن هناك العديد من الأهداف والمصالح ستتحقق لأردوغان جراء هذا الأمر، نجملها بأربع أسباب أساسية:
أولاً: أهداف انتخابية
يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا حوالي ثلاث ملايين نسمة، منهم مليون و 800 الف في سن يؤهلهم للتصويت في الانتخابات، وفي حال حصول هؤلاء على الجنسية التركية، سيشكلون 4% من مجموع الناخبين الأتراك، مما سيرفع أسهم حزب العدالة والتنمية الانتخابية، ويؤهله للحصول على الأغلبية البرلمانية التي تسمح له بتغيير الدستور وتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي. وقد ذكرت صحيفة "خبرترك" ان المجنسين الجدد لن ينتظروا سوى سنة واحدة حتى يتمكنوا من المشاركة في التصويت.
ثانيا: احداث تغيير ديموغرافي في تركيا
وذلك من خلال توطين اللاجئين السوريين في المحافظات ذات الغالية الكردية والعلوية، وتغيير البنية المذهبية والقومية لتلك المناطق، حيث يجد أردوغان في هذا الأمر فرصة مناسبة للحد من طموحات الأكراد الانفصالية في الولايات الجنوبية الشرقية من تركيا، خاصة بعد انهيار الهدنة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، وتنامي طموح أكراد تركيا بتشكيل فيدرالية مستقلة، في ضوء الدور الهام الذي اضطلع به أكراد سوريا بدعم أمريكي روسي على الحدود الجنوبية لتركيا، واقتراب اعلانهم الفيدرالية في "روج آفا" السورية.
ثالثاً: أهداف اقتصادية
حيث كان للاجئين السوريين، اسهام كبير في عجلة الاقتصاد التركي خلال السنوات الخمس الماضية، وبالرغم من العبء الاقتصادي لللاجئين السوريين على الاقتصاد التركي، إلا أن المكاسب الاقتصادية التي حققها وجودهم في تركيا كانت أكبر، حيث تشير الاحصاءات إلى أن 9% فقط من اللاجئين السوريين في تركيا يعيشون ضمن المخيمات، فيما غالبية اللاجئين يقيمون بإمكانياتهم الذاتية، جالبين معهم مئات الملايين من رؤوس الأموال، كما يشكل السورييون قوى عاملة رخيصة للمنشآت التركية. ووفقاً لمراكز بحثية تركيا، فإن عدد المشاريع والشركات التي أقامها السوريون في تركيا منذ عام 2011 قد بلغ 10 آلاف شركة، فيما بلغ حجم الاستثمارات السورية منذ ذلك الحين، حوالي 10 مليارات دولار تتركز بشكل رئيسي في الأقاليم الجنوبية المتاخمة للحدود السورية. ويرمي أردوغان من خلال تجنيس السوريين، خاصة الطبقة الثرية منهم، للحفاظ على هذه الأموال، واستثمارها في عجلة الاقتصاد التركي الذي شهد تباطؤ في النمو نتيجة أزمات تركيا الكثيرة.
رابعاً: استقطاب الكفاءات السورية
حيث هناك توجه حقيقي وتنافس بين الأتراك والأوروبيين على استقطاب الكفاءات السورية، وقد أعلن أردوغان صراحة عن هذا التوجه، حيث صرح أكثر من مرة بأن تركيا ترغب في الاستفادة من طاقات السوريين، وأن تركيا لا ترغب أن تهاجر هذه الكفاءات إلى الدول الأخرى.
وقد أبدى أعضاء في الاتحاد الأوروبي في عدة مناسبات امتعاضهم من طريقة تركيا في انتقاء اللاجئين السوريين الذين يتم نقلهم بطريقة شرعية من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل كل لاجئ غير شرعي يتم إعادته إلى تركيا. حيث اتهم الأوروبيون تركيا بأنها تعيق نقل اللاجئيين السوريين ذوو الكفاءات العلمية ضمن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وتحتفظ بهم لنفسها.
وكانت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية قد نقلت في عددها الصادر في 21 أيار/مايو من العام الجاري، تصريحات لمسؤوليين ألمان، أكدوا فيها بأن أنقرة أخبرت أعضاء الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي، بأنها لن تسمح بأن يتم نقل اللاجئيين السوريين ذوو الكفاءات العلمية ضمن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وأنها هي من تمتلك القرار في مثل هذه الحالات. كما نقلت الصحيفة عن مندوب لوكسمبورغ في الاتحاد الأوروبي بأن "أنقرة تقوم بانتقاء لاجئين يعانون من أمراض مزمنة، أو ذوو مستولى تعليمي متدني، وترفض بالمقابل العديد من الطلبات المقدمة من لاجئين ذوو كفائات علمية جيدة، من دكاترة ومهندسين وطلبة جامعات".
على الرئيس أردوغان إن كان حريصاً على السوريين كما يدعي، التوقف عن استخدام السوريين كورقة يساوم عليها الغرب تارة، وتارة أخرى يوظفها خدمة لأجندة شخصية، ما يجعل السوريين في مواجهة مع مجتمعات استضافتهم، ويزيد من مأساتهم. من يريد الخير لسوريا والسوريين عليه أن يدعم الحل السياسي في سوريا ويتوقف عن دعم الجماعات الارهابية المسلحة، ويعمل على إعادة السوريين إلى بلدهم، أما استخدام السوريين للعبث بالجغرافيا والديموغرافيا، فهو لعبة شديدة الخطورة سيكون السورييون بلاشك أكبر ضحاياها.