الوقت- يستمر العنف والعنف والمضاد بين الحكومة والتركية والأكراد بالإنتشار كالنار في الهشيم، حيث أسفرت هذه المعارك عن مقتل 338 مدنياً بينهم 78 طفلاً منذ الصيف الماضي، إضافةً إلى تهجير 355 ألف شخص إلى مناطق أخرى في تركيا.
وأوضحت تقديرات حكومية تركية أن الصراع مع المقاتلين الأكراد أسفر عن مقتل أكثر من خمسة آلاف شخص منذ يوليو/ تموز وتسبب في دمار ما لا يقل عن ستة آلاف مبنى وسيتكلف إعادة بنائها نحو مليار ليرة (340 مليون دولار)، إلا أن بعض المصادر أكّدت أن الرقم أعلى من ذلك بكثير.
ودمرت مساحات كبيرة في بلدات في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية السكانية الكردية جراء القصف اليومي والانفجارات والمعارك التي لا تزال تتأجج رغم ما يقوله الرئيس رجب طيب أردوغان عن أن حزب العمال الكردستاني أصبح في مرحلة "سكرات الموت".
ومع استمرار القتال قالت حكومة رئيس الوزراء الجديد بن علي يلدريم إن 6320 مبنى أو 11 ألف مسكن دمروا في خمس مناطق فقط وهي سور في ديار بكر وسيزر وإيدل في محافظة شرناق ويوكسكوفا في هكاري، كما أسفرت قنابل مزروعة على طريق إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل في هجومين استهدفا قوات الأمن في جنوب شرق البلاد.
نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، قال بعد اجتماع لمجلس الوزراء: "نواجه الآن عملية تخطيط إعادة إعمار وإصلاح المنازل المتضررة" مقدرًا تكلفة إعادة البناء في هذه المناطق بنحو 855 مليون ليرو (290 مليون دولار).
ورفض المشرع دنجير محمد فرات المنتمي لحزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد لخطط إعادة الإعمار في المناطق القديمة مثل سور وسيزر حيث "محيت البنية التاريخية".
من جانبها، قالت مؤسسة حقوق الإنسان التركية إن نحو 338 مدنياً بينهم 78 طفلاً قتلوا في الصراع منذ الصيف الماضي، وأضافت أن حظر التحول انتهك حقوق 1.6 مليون شخص. وتقول أنقرة إن 355 ألف شخص نزحوا إلى مناطق أخرى في تركيا.
في السياق ذاته، قالت مصادر بالجيش إن خمسة آلاف من مقاتلي حزب العمل الكردستاني قتلوا منذ استئناف القتال وكان نحو نصفهم في جنوب شرق تركيا ونصفهم في شمال العراق حيث توجد قواعد للحزب. وقدرت المصادر عدد قتلى قوات الأمن التركية بنحو 500.
وإلى جانب تدمير منازل قال مسؤول محلي لصحفيين كانت ترافقهم حراسة إن أضرارًا لحقت بتسعة مساجد وكنيستين في سور وحدها.
وقال شاهد إن الثقوب الناجمة عن إطلاق النار تغطي واجهة مسجد كورسونلو الذي يبلغ عمره خمسمئة عام وأحرقت حوائطه الداخلية بينما وضعت أكياس الرمال على نوافذه فيما يدلل على القتال الدائر هناك.
أوقفوا قتل الأطفال
لم يكن قتل الأطفال أمراً عابراً أو جديداً في المشهد التركي –الكردي، فعلى سبيل المثال لا الحصر قتل في وقت سابق رضيع في شهره الثالث وجده، بشكل عرضي، خلال تبادل لإطلاق النار بين قوات الأمن التركية ومسلحي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرقي تركيا.
تكرار هذه المشاهد، ووحشية قصف المناطق الكردية، ومقتل عشرات الأطفال، وردات الفعل الكردية المسلحة على مقار أمنية وتجمعات شعبية أثارت قلق قطاعات معتبرة من الأتراك، دفعت في وقت سابق بنحو 1200 أكاديمي من تركيا وخارجها، من بينهم نعوم تشومسكي ومايكل لوي وجون كوكس، للتوقيع على عريضة بعنوان "أوقفوا قتل الأطفال- لن نكون شركاء في هذه الجريمة".
بيان الأكاديميين لم يحمل دفاعاً عن حزب العمال الكردستاني المحظور أو تبريراً لحمله السلاح، كما لم يطرح رؤية سياسية لإدارة المشهد بين الأقلية الكردية وأجهزة الدولة، ولم يتطرق إلى نقد رؤية الرئاسة للتفاعل مع الأزمة الكردية. هدف البيان تمثل بالأساس في إدانة الحرب، والمجازر التي ترتكب ضد المدنيين وتعد انتهاكاً للقوانين التركية والمعاهدات الدولية. أيضاً حضَّ البيان على وقف حملات الإبادة والقتل التي تنفذ في جنوب شرقي تركيا، واستئناف عملية السلام بين الحكومة وحزب "العمال الكردستاني" لاستعادة السلم الأهلي.
سلوك الأكاديميين، الذي تزامن مع تصاعد العمليات الانتحارية في قلب أنقرة واستهدافها للمرة الأولى مواقع أمنية، أثار غضب أردوغان، الذي توعد الموقّعين بدفع "ثمن خيانتهم"، وقال: "من يدعمون أشخاصاً يدمرون حياة أبرياء في شكل مباشر أو غير مباشر لا يختلفون عن الإرهابيين".
رغم أن العنف والعنف المضاد بين الدولة والأكراد قد يكلف تركيا خسارة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، في ظل اتساع رقعة الاستقطاب المجتمعي والسياسي من جهة، وتراجع معدل النمو والاستثمار الخارجي من جهة أخرى، إلا أنه يتوجّب على كلا الطرفين تحييد المدنيين عن الصراع القائم، وتحديداً الأطفال.
بعيداً عن الديموقراطية التركية التي باتت على مفترق طرق، رغم تباهي أردوغان بقيمها في بلاده وسط واحة يصفها هو بالاستبداد، يتوجّب على الأطراف المتنازعة حصر القتال فيما بينها دون الإنتقام من المدنيين كما هو الحال اليوم. فإذا كان العنف الكردي يفاقم الأزمة، فإن استخدام الحكومة العصا الغليظة من دون التعاطي مع مطالب الأكراد يدخل تركيا التي كانت مستقرّة أمنياً حتى الأمس في القريب في نفق مظلم غير معروف النتائج.