الوقت- إن البنية الظاهرية المعلنة والمرئية لتنظيم داعش, هي أقل خطورة من البنية الخلفية أو الداخلية التي تعمل وراء الظل, فكل ما هو مشخص في هيكل هذا التنظيم يسهل مواجهته.
ففي الميدان, لقوات داعش العسكرية صدى اعلاميا كبير, لكنه مشخص.. في المقلب الاخر حيث لا تصل الأيادي الاعلامية وعيونها, وحيث لا يعرف الكثيرون عما يجري, تكمن الخطورة... وخطورة داعش وتيارالتكفير لا يجب أن يغفل عنه.
داعش, قوات مسلحة بأعداد كبيرة لها هياكل تنظيمية عسكرية تنفذ انتشارا جغرافيا في بقع مشخصة, حيث يقسم التنظيم بدقة مناطق عملياته وفق ما يطلق عليه "امارات", ويعين على رأس كل امارة أميرا حاكما, ومجلسا قضائيا شرعيا, وقيادة عسكرية وأمنية, والجديد المتطور هو مجالس اعلامية لها خلفيات تفوق ما تخرجه عدسة الكاميرا وبعض الخطابات.
لكن هذا ليس كل شيء, فالتقارير الاستخباراتية العالمية المتتبعة لنشاط التنظيم, أكدت وجود آلاف الأشخاص المنتشرين حول العالم الذين يعلنون ولاءهم لهذا التنظيم وهم يشكلون خلايا أمنية حول العالم, تقوم بالتجنيد والاستقطاب ومن ضمن هذه الخلايا أجانب من جنسيات غربية.
لا يخفى على المتتبع لأحوال هذا التنظيم, أن التنظيم يعمل وفق سياسة ممنهجة ناشطة في الظل أكثر من العلن, حيث لا يفوت فرصة لاستغلال الوسائل الاعلامية على اختلافها والتماشي مع التطور التقني والتكنولوجي العالمي, لاداء واجب يسميه التنظيم الدعوة والتبليغ!!
فما هي حقيقة الدعوة والتبليغ الداعشية ووسائلها؟؟
ينتمي التنظيم العالمي الجديد, لجذور هجينة أعطته تجربة غنية, فمن تنظيم القاعدة التي أسستها امريكا ودربتها اجهزة استخباراتها لقتال الاتحاد السوفياتي الذي كان يسيطر على افغانستان, الى العراق بأجهزة استخبارات النظام البعثي وفلوله التي ذابت في العراق باحثة عن اطار يعيد جمعها, الى الاستخبارات السعودية والعربية التي لها باع طويل مع الحركات السلفية والتكفيرية وصناعتها, الى البوسة والشيشان وما تبقى من قوات لها تاريخ في القتال والعمل الامني, الى تركيا والاستخبارات التركية المطعمة بتدريب استخبارات اسرائيلية وامريكية وأوروبية, الى الاستخبارات الامريكية والبريطانية والاسرائيلية .. كل هذا الجهد الذي له دلائل على تورطه ومشاركته في اختراع وتجميع هذا التنظيم الكبير..
فكانت داعش, تيار هجين, شكل قوات عسكرية في مناطق القتال المباشر, ولكنه كحال طالبان سابقا, بدأ التنظيم ينتشر ويتوسع يغير سيطرة من صانعيه, وبدأ يخرج عن طوعهم, ويقوم بتشكيل خلايا له داخل الدول الغربية والعربية, بهدف العمل الأمني والاستخباراتي والتجنيد والاستقطاب, مطلقا حملات من الدعوة والفتوحات, أصبحت هذه الحملات اليوم لها صدى عالميا, وتنسل من كل حدب وصوب عبر ارهاب يهز الدول الاوروبية, لكنه يستبعد الدول الخليجية وامريكا واسرائيل لغاية في نفس داعش تثير شكوكا كبيرة جدا..
داعش تنظيم يستفيد من بيئة خصبة من الشباب العربي السني, باعداده الكبيرة جدا وانتشارها, وواقع يشوب هؤلاء الشباب الذين هدر الحكام قضاياهم وكراماتهم وأفقروهم, ينسل التنظيم الى العالم ليوفرعمليات توافد الفية من المحيط الذي يهتم بنشوء حركة "مقاومة سنية " يفتقدها منذ زمن , حيث يستقطب التنظيم بسرعة هائلة الالاف من الأفراد ويوسع رقعة تواجده حول العالم.
حملة الاستقطاب التي يقوم بها التنظيم وفق سياسة يعلنها تقوم على واجب الدعوة والتبليغ الملقاة على هذا التنظيم, مستفيدا من وجود طاقات علمية واعلامية بشرية ومادية ضخمة, يحصل عليها التنظيم من الداعمين والبيئة الراعية, تحت مرأى العالم الذي بات اليوم بعد فوات الأوان, يجاهر بخطورة داعش, وسط صمت عملي مريب حول الدعم التركي والسعودي للتنظيم. وفق لعبة مزدوجة يلعبها الغرب وبعض العرب, الذين يريدون داعش لقتال النظام السوري وحلفائه وابتزاز الانظمة فيدعمونه من جهة, ويخافون من تفلت التنظيم بفكره المعادي لكل من يقف في وجهه, فيخرج عن سيطرتهم يوما بعد يوم ويستهدفهم في اراضيهم, فيدينونه ويحملون عليه!!
داعش في الاعلام المرئي والمسموع :
يشكل الاعلام المرئي والمسموع, فرصة مهمة توفر لداعش وسيلة اتصال واسعة الانتشار والمتابعة, يمكنها من استهداف المتابعين سواء لبث افكار استقطابية في الاوساط القريبة من داعش, وتغذية فكرها والتعبئة والتشجيع, أو لاستهداف الاوساط المعادية لبث الرعب وعرض القوة لتثبيط العزائم والارهاب النفسي والفكري, في محاولة للتهويل حول امكانيات التنظيم وأفعاله لمنع أي شخص من التفكير بالمواجهة والقتال.
نقاط القوة التي تستفيد منها داعش في هذا النوع من الاعلام والاتصال, هو المركزية, حيث يمكن بعد اعتماد سياسات تسويق دعائية للقنوات المحددة, توجيه المتابعين والمستهدفين اليها عبر ترددات محددة للمحطات, وكذلك الاستفادة من شياع هذه الوسيلة الاعلامية التي تنتشر في كل الاماكن وتصل للجميع, الأمي والمتعلم الفقير والغني, ولهذا تنشط القنوات الاعلامية السلفية والتكفيرية عموما التي تتلاقى مع داعش او تقترب منها ومنها ما يتبع لداعش مباشرة.
إن بث هذه المحطات ونشاطها يتم من دول خليجية عموما والسعودية بأغلبها, ومن ثم من سوريا والعراق حيث المناطق التي تسيطر عليها داعش, ومن ليبيا وتونس .. ويصل عدد هذه القنوات الاعلامية الى العشرات, ومنها ما يتبنى فكر داعش مباشرة, لكن الاغلب يدعي الحيادية والدعوة الاسلامية, ليمرر فكر واخبار التنظيم بطريقة مموهة يمكن لحظها بالمتابعة.
ان هكذا نوع من الاعلام, يشكل فرصة لداعش والتكفير عموما لبث رسائله ونشر ثقافته , ولكن نقاط ضعف تحول دون الانتشار الكبير لهذا النوع من الاعلام , وتعطي الشبكة العنكبوتية المكانة الافضل لهذه التنظيمات, حيث تنشر للتنظيم مئات المواقع الالكترونية و الآلاف من الناشطين.
فالاعلام المرئي والمسموع, يخضع لسيطرة رقابية اكبر من الشبكة العنكبوتية, لجانب تقني يمكن الشركات التي تبث من ضبط الايقاع والتراخيص اكثر, والحد من انتشار مثل هذه القنوات والسيطرة عليها عبر امكانية حجبها عن البث والسيطرة عليها, وكذلك فإن الكلفة العالية للبث وانشاء المحطات تحول دون امكانية تعددها وانتشارها, ومن ناحية اخرى أمنية فإن هذا الاعلام يحتاج الى محطات ثابتة للبث وأطقم عمل , وهذا يجعله عرضة للاستهداف من قبل الطيران , السوري او العراقي , وكذلك فإن مناطق بث هذه الاذاعات ستفضح بشكل علني دعم الدول التي تسمح لداعش بالبث من اراضيها , وستخضعهم للمساءلة والحرج فهم يعلنون أنهم يحاربون الارهاب !!
مع هذا تبنى التنظيم مؤخرا, عدة قنوات دخلت الى العمل الاعلامي للتنظيم. وتعد القنوات التي يتبناها داعش, محدودة جدا مقابل الأخرى الداعمة سرا او المتعاطفة, فمؤخرا صرح التنظيم عبر حساباته الالكترونية, عن اطلاق قناتين تابعتين له, الاولى تدعى “التوحيد” الفضائية تبث من سرت الليبية، والثانية قناة تلفزيونية جديدة تابعة له باسم "دابق"، والغريب أيضا انه اعلن عن مقرها الذي سيكون في مدينة الموصل , فضلا عن وجود " إذاعة البيان " المسموعة ، التابعة للتنظيم التي تبث برامجها على موجة FM من مدينة الموصل (شمال) أيضا, وتجدر الاشارة أن ما يسمى التنسيقيات السورية المعارضة والجيش الحر والنصرة كانت تمتلك اذاعات بث محلية بسيطة, بعض كبير من هذه المحطات اصبح تحت سيطرة داعش ويستفيد منها ويطلق عليها اسماء الامارات التي تتواجد فيها.
فس ظل ما ذكرنا, ينشط الاعلام الداعشي كثيرا على الشبكة العنكبوتية, التي يسجل فيها تطورا كبيرا جدا, يطرح شكوكا كبرى حول من يدعم ويدرب التنظيم على هذا النشاط الاعلامي والانتاج الضخم الذي يشير عبر جودته الى امكانات وخبرات ضخمة جدا تفوق داعش تقف وراءه !! موضوع داعش والانترنت وأسرار أمنية كبرى في الجزء الثالث من التقرير.
