الوقت - تمضي السعودية قُدماً في مشروعها التطبيعي مع الكيان الإسرائيلي. فبعد التقارير التي تحدثت عن تاريخٍ من العلاقات السرية، يبدو اليوم أن العلاقات تخطت العلن لتصبح وديَّةً بين البلدين. وهو ما يمكن إثباته من خلال الندوة التي ستُعقد بحضور كلٍ من المدير العام السابق للإستخبارات السعوديّة تركي الفيصل، والمستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال يعقوب عاميدرور، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مطلع أيار المُقبل. ولعل التعاون بين الطرفين ليس بالأمر المُستغرب. فيما يجب الوقوف عند الحدث وقراءة دلالاته واستنتاجاته.
الندوة المشتركة: بين التوصيف والتحليل
في ندوة مشتركة يعقدها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تحت عنوان "السلام والأمن والشرق الأوسط" يشارك المدير العام السابق للإستخبارات السعوديّة تركي الفيصل، مع المستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال يعقوب عاميدرور وذلك في الخامس من أيار المُقبل. وهنا فإن عدداً من النقاط تجدر الإشارة لها، ويمكن ذكرها بالتالي:
- تُثبت الدعوة حقيقة الأجواء السائدة في الآونة الأخيرة بين الكيان الإسرائيلي والسعوديّة، خصوصاً لجهة التوافق في المصالح على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهنا فإن عنوان الندوة، والذي يتعلق بالأمن والسلام في الشرق الأوسط، يدل على الشعور المزدوج لدى كلٍ من تل أبيب والرياض، بنفس الخطر الأمني، مع وجود نفس القراءة لما يُسمى ملف السلام.
- ولعل التغني الإسرائيلي بالعلاقة الحميمة بالدول الخليجية، لم يعد فقط في الإعلام، بل أخذ أوجه التعاون المشترك على الصعيد السياسي وهو الذي سبق أن بقي على الصعيد الأمني. فيما أصبحت هذه الدول مثالاً للعلاقة النموذجية التي يطمح لها الكيان الإسرائيلي مع الغرب، حيث لا بد من الإشارة الى ما أعلنه رئيس حكومة الکيان الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في مؤتمر دافوس منذ فترة، حين طالب بأن تكون سياسة الدول الأوروبية تجاه كيانه، مشابهة لسياسة دول عربيّة، لم يسمّها حينها.
- وهنا فإن الوقوف عند نقاطٍ تتعلق بالدعوة، يُمكِّنُنا من فهم عددٍ من المسائل. فمن المعروف أنَّ "معهد واشنطن"، كان ولا يزال، من أبرز أدوات التأثير الصهيوني في النخبة الأمريكيّة وذلك بسبب تبعيته المباشرة للوبي الصهيوني "إيباك". الأمر الذي يمكن أن يُفسر توقيت الندوة أي في أوج الإنتخابات الأمريكية التمهيدية، كما يُفسر طبيعة الحضور والمكان.
- أما بالنسبة للشخصية السعودية المدعوة، وهو الأمير تركي الفيصل، فهي ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها قادة إسرائيليين، خصوصاً أنه خدم لمدة 24 عاماً في منصب رئاسة الإستخبارات السعوديّة وعمل سفيراً لبلاده في كلٍ من واشنطن ولندن. وكان من بين المبادرين لصياغة المشروع الذي قدمته الرياض، والذي عُرف فيما بعد بـ "المبادرة العربية للسلام" مع الكيان الإسرائيلي، مقابل الإعتراف والتطبيع المتبادل.
بناءاً لما تقدم، يمكن الخروج بالعديد من الدلالات المهمة:
- يأتي هذا اللقاء العلني على خلفية التقارير المتوالية عن التعاون السرّي والأمني بين كلٍ من تل أبيب والرياض. وهنا فإنه من غير المُفاجئ حصول هذا اللقاء. الأمر الذي يؤكد مرةً أخرى زيف إدعاءات المسؤولين السعوديين، تجاه القضية العربية الأقدس أي القضية الفلسطينية. ويؤكد من جديد إلتزامهم بالمشروع الأمريكي الذي يُعتبر فيه أمن الكيان الإسرائيلي خطاً أحمر.
- وهنا فإن الأمور تزداد عن كونها مصالح مشتركة، ليتبيَّن أن الأمور تقوم على مبادئ وقناعاتٍ مشتركة. فمن الواضح أن الطرفين يجمعهما اليوم القلق من التعاظم الإيراني والرضوخ الأمريكي تجاهه. فيما يبدو جلياً أن مسألة الأمن والسلام، أصبحت قاسماً مُشتركاً للطرفين، في ظل ما يعيشانه من حالة اللاإستقرار والخطر الوجودي.
- بالإضافة الى ما تقدم، فإنه لا يغيب الجانب التجاري والإقتصادي عن الموضوع. فقد تزايدت مؤخّراً، الأصوات المنادية داخل الكيان الإسرائيلي، بالسماح بتصدير منظومات أمنيّة للسعودية. الى جانب أن كثيراً من الإسرائيليين يتطلعون لنيل حصة، ولو بشكل غير مباشر، من الخطّة السعوديّة التي تهدف لإنشاء صناعات عسكريّة في السعودية. وهو الأمر الذي يعني نقل العلاقة من السرية الأمنية الى العلنية وفي كافة المجالات.
دلالات واستنتاجات
لا شك أن العديد من المسائل تطرح نفسها، لا سيما عندما تُصبح الأمور بمستوى التجاهر بالعلاقة. لكن العارفين بحقيقة الرياض وخلفيتها، ليسوا بوارد إستغراب ما يجري. في حين يجب الوقوف عند التالي:
- إن الصمت العربي المُطبق تجاه ما تقوم به السعودية كطرفٍ يدعي العروبة والإسلام، هو من الأمور التي ساهمت في مضي الرياض في تصرفاتها التي لا تمت لتاريخ العرب أو المسلمين بأية صلة. وهنا فإن السكوت عن الحرب الهمجية التي قامت بها السعودية وتحالفها على اليمن، والرضوخ لمنطق أن الرياض تُشكل قطباً عربياً، أدى للوصول الى مرحلةٍ أصبحت فيه العلاقات الإسرائيلية السعودية بمستوى العلاقات الوديَّة. وهو ما لا نجده بين الرياض وأيٍ من جيرانها العرب.
- كما أن السعي للترويج لمفهوم الأمن والسلام باللغة الصهيونية، هو من الأمور التي يجب الحذر منها. فهذا الأمر يُعتبر السبب الأساسي في تغيير القيم في مجتمعاتنا الإسلامية، الأمر الذي جعل من حركات المقاومة عدواً، وجعل من الصهيونية نهجاً للسلام والمحبة. وهو الأمر الذي يحتاج لوقفةٍ مُوحَّدة، من الشعوب العربية والإسلامية، خصوصاً في وجه الترويج للكيان الإسرائيلي كطرفٍ مقبولٍ في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.
- إن تصرفات الرياض والتي هدَّدت الأمن القومي العربي، لا سيما بعد حروبها ومؤامراتها في كلٍ من العراق وسوريا واليمن، تعود اليوم لتُهدِّده من جديد، عبر تهديد القضية الفلسطينية التي تُعتبر سرَّ الوحدة الإسلامية. كما تهدده عبر طرح الطرف الإسرائيلي كشريكٍ في صنع الأمن والسلام في الشرق الأوسط.
لا يحتاج الأمر للكثير من الشرح، بل إن التوجيه هو الهدف الذي نسعى له. فبمجرد معرفة أن الطرفين السعودي والإسرائيلي تجمعهما ندوةٌ تُعنى بالأمن والسلام في الشرق الأوسط، فإن ذلك يُعبِّر عن نفسه بوضوح ودون أدنى شك. فيما يجب الوقوف عند الدلالات العميقة، والوجهة التي تسير فيها الأمور. وعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تقول كلمتها. وإلا فليخرج أحدٌ ليُفسِّر لنا ما تعنيه أن يكون السلام والأمن في الشرق الأوسط، عنواناً يجمع السعودية والكيان الإسرائيلي!