الوقت- يبدو أن المرشحين للإنتخابات الرئاسية الأمريكية بدأوا بالاعتراف بعدم ديمقراطية انتخاباتهم التي يشوبها الكثير من علامات الاستفهام حول التمثيل الحقيقي لهذه الانتخابات. فبعد الانتقادات الكثيرة التي يواجهها نظام الانتخابات الأمريكية وخاصة الانتخابات التمهيدية داخل الأحزاب لانتخاب مرشيحهم لرئاسة الجمهورية وذلك من قبل أكادميين ومفكرين أمريكيين وغربيين، بدأ المرشحون أنفسهم بانتقاد هذه العملية التي يدور حولها الكثير من علامات الاستفهام حول ديمقراطيتها.
وبعد الانتخابات التمهيدية التي حصلت في مدينة نيويورك الأسبوع الماضي وجه بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي انتقادات شديدة اللهجة لقانون الانتخابات في ولاية نيويورك قائلا "يجب القول أني قلق حقيقة حول طريقة التصويت في ولاية نيويورك وأتمنى أن تتغير هذه العملية مستقبلا. وأنا قلق أيضا لأن في ولاية كبيرة كنيويورك حوالي ال30 بالمئة ممن يحق لهم التصويت لم يتمكنوا من ذلك وهم يشكلون حوالي ثلاثة ملايين أمريكي والسبب أنهم سجلوا أسمائهم للانتخابات تحت عنوان مستقل وليس ديمقراطي أو جمهوري، وهذا الأمر لا معنى ولا مفهوم له".
يُذكر أن ساندرز كان قد عقد عدة لقاءات في الضواحي الفقيرة شمال مانهاتن، حيث أكد على ضرورة خلق ثورة سياسية في أمريكا انطلاقا من الشعب مؤكدا حاجته إلى مساعدة عامة الناس لتغيير النظام السياسي الحاكم. وهذا الكلام إن كان يدل على شيئ إنما يؤكد الحالة المزرية للنظام السياسي الأمريكي والذي دفع ساندرز لتوسل مساعدة الشعب وخاصة الشرائح الفقيرة التي يعدها برفع مستوى معيشتها من خلال رفع الأجور وزيادة ضرائب الدخل على الأثرياء.
هذا التصريح وغيره الكثير من الاعترافات من قبل شخصيات أمريكية تؤكد الوضع المتأزم اجتماعيا في الداخل الأمريكي، ويؤسس لمرحلة سقوط النظام الديمقراطي المزيف التي تدعي أمريكا وجوده، فعدم وجود ديمقراطية حقيقية في الانتخابات الأمريكية ينسف أسس الديقراطية التي تدعيها الأخيرة فالنظام الانتخابي الديمقراطي هو الأساس في إرساء حكم الشعب وتوزيع السلطات.
ومن الجدير بالذكر أن نتائج الانتخابات التمهيدية في نيويورك والتي حصلت الثلاثاء الماضي أتت لصالح كل من هيلاري كلينتون عن الديمقراطيين ودونالد ترامب عن الجمهوريين حيث حصدوا حوالي 60 بالمئة من أصوات الناخبين.
وبالعودة إلى العملية الانتخابية لا بد من تسجيل بعض الملاحظات. فعلى الرغم من الشكل الديمقراطي لهذه العملية إلا أنه يمكن القول بأن حوالي 10 ولايات تقرر مصير الولايات الأمريكية الخمسين، والسبب أن نتائج الانتخابات الحزبية التمهيدية في هذه الولايات تحدد مصير المرشحين بشكل كبير. وهذا الأمر منافٍ للديمقراطية التي تدعو إليها أمريكا. اذ أنه من الأفضل أن تتم الانتخابات بشكل متزامن في كل الولايات ليتم بعدها تحديد الفائزين.
الملاحظة الأخرى والأهم والتي تنسف أصل المساواة بين من يحق لهم التصويت هي أن وزن الأصوات لا يتساوى فهناك نسبة من الأصوات تصل إلى 20 بالمئة من مجموع الأصوات لدى الحزب الديمقراطي هي أصوات مرجحة يتمتع بها قادة الحزب ومسؤوليه. وهؤلاء عادة ما ينتخبون الشخصية المقربة منهم والتي تؤمن مصالحهم ويفوتون الفرص على الشخصيات الحزبية الجديدة الطامحة.
أما على صعيد الحملات الانتخابية للمرشحين فاللافت هو الاهتمام الكبير بمغازلة مجموعات الضغط (اللوبيات) على حساب مخاطبة الشعب. ويعود هذا الأمر إلى الدور الكبير الذي يلعبه أصحاب السلطة ورؤوس الأموال في هذه الانتخابات، لذلك يجد المرشحون أنفسهم مرغمين على مراعاة هذه اللوبيات التي تستطيع رفع وخفض أسهم أي مرشح تريده. وهذه اللوبيات إنما تتشكل من التكتلات الاقتصادية والسياسية المهمة في البلد وتهيمن على الكارتلات الاقتصادية الضخمة وشركات السلاح الكبرى وبعض هذه اللوبيات هي حركات دينية كالحركة الصهيونية والماسونية وغيرها وهي شديدة التأثير على السياسية الأمريكية.
ختاما وانطلاقا مما أشير اليه، يُصبح من المستغرب ما يسعى إليه الأمريكيون لنشر أسسهم الديمقراطية التي يتغنون فيها، لطالما أنهم أنفسهم لم يعودوا مقتنعين بها. فليبدأ المشرعون الأمريكيون بالتفكير بالسبل الناجعة لايصال صوت الشعب إلى سدة الحكم الأمريكية وليكفوا عن التغني بديمقراطية لم تأتي إلا بالحروب والخراب على البلاد التي غزوها تحت رايتها.