الوقت- كشفت صحيفة الشروق التونسية مؤخرًا عن أن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" وبالتعاون مع أكبر مخبر أدوية إسرائيلي تقوم باستخدام أطفال مدينة "قصر" بالجنوب التونسي لتنفيذ تجارب طبية على مستحضرات علاجية لمرض اللشمانيا الذي أصيب به جنود أمريكيون فى حرب الخليج، وقد أعدت المخرجة التونسية "إيمان بن حسين" فيلمًا وثائقيًا يتناول أدلة وشهادات يقدمها "عفيف بن صالح" رئيس مخبر الوبائيات الطبية بمعهد "باستور" بتونس، و"سمير بوبكر" رئيس لجنة الاخلاقيات الطبية، بالإضافة إلى مجموعة من وزراء الصحة التنوسيين من الذين عاصروا فترة وقوع هذه التجاوزات.
الانتهاكات التي أقدمت عليها واشنطن في تونس ليست إلا جزء مما فعلته طيلة التاريخ، والشواهد على لجوء الأمريكيين إلى استخدام التجارب على البشر للتطوير الطبي كثيرة منها:
أولا: تونس:
ما كشفته المخرجة التونسية عن أن البنتاغون والكيان الإسرائيلي يقومون بإجراء تجارب ممنوعة على البشر يمثل دليلا واضحًا على انهتاك الأمريكيين لحقوق الإنسان، هذه التجارب بدأت في تونس عام 2002 واستمرت إلى 2014، أي استمرت قرابة 12 عام، وذكرت المخرجة أن هناك أكثر من 100 شخصية متورطة في المشاركة في التجارب، ومن بين هذه الشخصيات مسؤولين تونسيين أيضًا.
ثانيا: العلاج المجاني!:
بين عامي 1932 و1972 قامت واشنطن بإجراء العديد من التجارب الطبية على 399 مواطن أمريكي أسود، وأجرى التجارب معهد "توسكيجي" الذي أخبر ضحاياه بأنهم سيتلقون علاجًا مجانيًا من الحكومة الأمريكية لمشاكل الدم لديهم، ولم يكن المرضى يعلمون باصابتهم بمرض الزهرى ولم يخبرهم الأطباء بذلك وبما أنهم كانوا يعانون من فقر شديد وتدني في مستوى المعيشة فقد رحبوا بما قدم لهم من سكن وطعام وترحيل أثناء إجراء تلك التجارب المخالفة للقوانين والأعراف.
كان الهدف الرئيسي لهذه الدراسة هو التعرف على نتائج مرض "الزهري" حال عدم علاجه ، ولهذا لم يعطى للأفراد الداخلين في التجربة دواء الزهري حتى بعد اكتشاف علاجه عام 1940، وقد قدم "بيل كلينتن" عام 1997 اعتذارًا لضحايا التجربة.
ثالثا: الملاريا:
في أواسط القرن الماضي كانت أمريكا مشغولة بالحرب العالمية في المحيط الهادئ، وكان آنذاك مرض المالاريا يشكل تحدٍ كبير أمام القوات الأمريكية ولهذا قررت الحكومة البحث عن علاج للمرض، فتم نقل العدوى للعديد من المساجين الذي تحولوا إلى حقل تجارب، حيث تم إجراء دراسات عديدة عليهم قام بها قسم الطب في جامعة "شيكاغو" بالتعاون مع الجيش الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية، وتم اختيار 400 سجين من مؤسسة "Stateville Penitentiary"، وقد وصف "المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية" أن ما تعرض له السجناء يمثل مخاطر قاتلة.
رابعًا: عقار الهلوسة:
بين عامي 1953 و1964 أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) مشروعًا أطلقوا عليه Project MKUltra، وهو يهدف إلى دراسة آثار "عقارات الهلوسة" المعروفة بـ LSD على المدنيين والعسكريين، وذلك لبحث آثار استخدام هذه المستحضرات في الاستجواب والتعذيب، وفي الأعمال الاستخباراتية بهدف التأثير على إدراك الإنسان وذاكرته وسلوكه.
بدأ المشروع بإعطاء العقارات المطلوبة إلى عدد من السجناء والمرضى العقليين والعاملات بالدعارة دون علمهم، وبعد سنوات من البحث تم إيقاف المشروع والإعلان أنه لا يفي بالغرض.
خامسًا: السلاح النووي:
بين عامي 1942 و1947 قامت السلطات الأمريكية بتعريض المئات من الأشخاص إلى مواد مشعة دون علمهم، كما تم حقن بعض المرضى في مستشفيات ولاية "شيكاغو" بعُنصر البلوتونيوم المشع، بالإضافة إلى حقن مرضى آخرين في ولاية "ماساتشوستس" بعُنصر اليورانيوم، وكل هذا كان يجري دون علم المرصى بما يحدث، وكانت هذه الأبحاث تهدف إلى دراسة آثار العناصر المشعة على الجسم.
سادسًا: "هولمسبرج":
أجرى الطبيب الأمريكي "ألبيرت كليجمان" العديد من التجارب على سجناء سجن "هولمسبرج" في ولاية "فيلاديلفيا" الأمريكية، وقد قام "كليجمان" بتجريب العديد من الأدوية الجديدة التي تصنعها شركات الأدوية، وتعرض أكثر من 350 سجينًا للتجارب بينهم 75 سجين تعرضوا لمادة "العامل البرتقالي" السامة، التي استُخدمت في الحرب ضد فيتنام، وهي في الأصل مبيد أعشاب ونازع ورق الشجر وقد تم تصنيعه لصالح وزارة الدفاع الأمريكية، بواسطة شركة مونسانتو وشركة داو كيميكال، وهذه المادة تسبب ظهور مرض "باركنسون" كما أنها أحد عوامل الخطر لمتلازمة خلل التنسج النقوي، وقد تسببت بمئات آلاف القتلى والمشوهين في فيتنام.
رغم أن المنظمات الدولية تشدد على منع إجراء التجارب الطبية على المرضى دون الحصول على موافقتهم، إلا أن واشنطن لا تقبل هذه السياسة في الحقيقة، وهي منذ القدم إلى يومنا الحاضر تقوم بإجراء تجارب طبية سرية تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وهذه الانتهاكات أصبحت جزء لا يتجزأ من السياسة الأمريكية، وعلينا أن نتذكر دوما أن كل التطور العلمي الذي تدعي واشنطن وصولها إليه ليس إلا وليد اللا شرعية، والأمثلة التي ذكرناها على تجارب أمريكا الطبية غير الشرعية ليست إلا قطرة في بحر، وغيض من فيض وما خفي أعظم.