الوقت - بعد الإنتصارات الإستراتيجية التي حققها أكراد سوريا على الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" خصوصاً في مدينة كوباني "عين العرب" في حزيران/ يونيو من العام الماضي تهيأت الأرضية لتعاون أوسع بين الأكراد السوريين مع الأطراف المؤثرة في الأزمة السورية إقليمياً ودولياً.
وفي ديسمبر 2014 بدأت أمريكا بإرسال كميات من الأسلحة والعتاد إلى أكراد سوريا وأقامت معهم علاقات دبلوماسية خصوصاً مع "وحدات حماية الشعب الكردي" التي تعرف إختصاراً بـ (YPG) وكذلك "وحدات حماية المرأة الكردية" التي تعرف إختصاراً بـ (YPJ). وهذه الوحدات كما هو معلوم لها ثقل كبير في شمال شرق سوريا، بل يمكن القول أنها باتت الطرف الأكثر قوة وتنظيماً، ولهذا تتنافس كل من أمريكا وروسيا على إستقطابها لتأثيرها في سير المعارك هناك.
وخلال الأشهر الأخيرة من العام لماضي دخلت روسيا عسكرياً على خط الأزمة السورية، كما بادرت إلى اقامة علاقات سياسية ودبلوماسية مع أكراد سوريا . وقد تتوجت هذه العلاقات بإفتتاح مكتب ممثلية لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي السوري في موسكو بهدف تعزيز التعاون بين الجانبين في التصدي لتنظيم "داعش". وفي وقت لاحق قام عدد من مسؤولي الإتحاد الديمقراطي بزيارة الى موسكو أثنوا خلالها على الغارات التي تشنها روسيا ضد مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية في سوريا.
وكان الإعتقاد السائد في بداية الأمر لدى الكثير من المراقبين أن علاقة أكراد سوريا مع روسيا هي علاقة هشّة وسوف تضمحل بمرور الوقت لأن أمريكا لن تسمح لهذه العلاقة بالتوسع أو الإستمرار، لكن ما حصل في الأشهر الاخيرة أبطل هذا الإعتقاد، حيث تعمقت العلاقات بين موسكو والأكراد السوريين الذين إبتعدوا في الوقت ذاته عن واشنطن.
فما هي الأسباب التي دعت إلى التقارب بين روسيا وأكراد سوريا؟
تكمن الإجابة عن هذا التساؤل بما يلي:
- دعم روسيا لإقامة منطقة حكم ذاتي لأكراد سوريا في شمال شرق هذا البلد في إطار "جمهورية فيدرالية" إقترحتها موسكو في الآونة الاخيرة لتسوية الأزمة السورية سلمياً. وأعلن "سيرغي ريابكوف" نائب وزير خارجية روسيا في حينها أن بلاده تأمل في التوصل إلى آلية للعمل بهذه الفكرة من خلال المفاوضات، وهو ما ترفضه تركيا لأنها تعتقد أنه سيعزز النزعة الانفصالية لأكرادها في المستقبل.
وعلى مدار الفترة الماضية أبدت موسكو حرصاً على فتح قنوات تواصل مع الجانب الكردي السوري، وأشادت بدور "وحدات حماية الشعب" الجناح العسكري للإتحاد الديمقراطي في محاربة تنظيم "داعش".
وينبغي التذكير هنا بأن الوحدات الكردية تمكنت في وقت سابق من السيطرة على الطرق الرئيسية في حلب الغربية والتي كانت تمر منها الإمدادات من تركيا إلى الجماعات الإرهابية خصوصاً ما يسمى "أحرار الشام" و"جبهة النصرة"، وهذا الأمر سهّل على موسكو حسم المعركة لصالح القوات السورية في هذه المحافظة الإستراتيجية.
وتجدر الإشارة إلى ان أكراد سوريا تربطهم علاقات جيدة مع حكومة الرئيس "بشار الأسد" التي سمحت لهم بإدارة مناطقهم في إطار نظام أقرب ما يكون إلى الحكم الذاتي عندما سحبت قواتها من تلك المناطق. كما سُجل تعاون عسكري بين الجانبين في مراحل عديدة من عمر الأزمة السورية.
- من الأسباب الأخرى التي دعت إلى التقارب بين أكراد سوريا وموسكو هو دعم الأخيرة لمشاركة حزب الإتحاد الديمقراطي "PYD" في محادثات جنيف بشأن الأزمة السورية، حيث صرّح وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" بأنه من المستحيل التوصل إلى توسية في سوريا دون دعوة الأكراد للمشاركة في عملية التفاوض.
- ثمة سبب آخر يدعو إلى التقارب بين أكراد سوريا و روسيا التي توترت علاقاتها مع تركيا في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد إسقاط أنقرة لطائرة سوخوي روسية قبل بضعة أشهر، في وقت يسعى فيه الأكراد السوريون إلى توظيف الظروف الحالية وحاجة كل من موسكو وواشنطن لهم لتحقيق مكاسب لطالما حلموا بإنجازها وفي مقدمتها تكوين إقليم في مناطقهم على غرار إقليم كردستان العراق، وهو ما يثير غضب تركيا التي تخشى من انتقال هذه الطموحات وتمددها إلى داخل أراضيها.
ولدى أكراد سورية قناعة عامّة بأن ما يجري في المنطقة من تطورات ميدانية سيغيّر من خريطتها الجيوسياسية، وباتوا يرون أنهم أمام فرصة لإقامة الحكم الذاتي، لكن تحقيق هذا الأمر لا يبدو سهلاً، خصوصاً أنهم يفتقرون إلى مرجعية سياسية واحدة لجهة تحديد المواقف والخطاب السياسي، فضلاً عن الهواجس الإقليمية وتحديداً تركيا التي لها حساسية كبيرة تجاه أي تطور كردي في المنطقة، لاسيّما إذا كان من يقف وراء هذا التطور هو حزب العمال الكردستاني الداعم لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي السوري.