الوقت- في موقف مفاجئ قال وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" الذي يعتبر من داعمي الكيان الاسرائيلي إن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين إذا فشلت مفاوضات مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في فرنسا قريبا، وأشار "فابيوس" إلى استمرار الاستيطان وإلى ضرورة الحفاظ على حل الدولتين وأضاف أن فرنسا ستتخذ في الأسابيع القادمة خطوات من أجل الإعداد لمؤتمر دولي من أجل الحفاظ والوصول إلى حل الدولتين، وحذر "فابيوس" قائلا: "إذا تعرضت هذه المحاولة الاخيرة للتفاوض على حل للتعطيل .. سيتعين علينا تحمل مسؤولياتنا بالاعتراف بدولة فلسطين"، فما هي خلفيات هذا الموقف الفرنسي ولماذا تكلم "فابيوس" بهذا الكلام؟
ان حل الدولتين الذي يريده الغربيون يقضي بتحديد حدود للكيان الاسرائيلي واستقرار جميع الاسرائيليين داخل هذه الحدود والاعتراف الدولي بها كما سيحصل الفلسطينيون على اراضي مخصصة لهم لكن سيبقى مصير 5 ملايين لاجئ فلسطيني مجهولا كما سيظل مصير القدس ومصير المستوطنات الاسرائيلية مجهولا ايضا.
وهكذا يتوضح ان الغرب الذي ينادي بحل الدولتين قد طرح فكرة لخداع الرأي العام العالمي يتم بموجبها اعطاء المزيد من اراضي الضفة الغربية الى الاسرائيليين الذين سيحصلون ايضا على امتيازات اكبر في القدس ويشعرون براحة البال من عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين.
لكن هذه الفكرة تحظى فقط بقبول الفئة المساومة في داخل صفوف الفلسطينيين والتي تتبع التفاوض طريقا لحل قضاياها مع الجانب الاسرائيلي لكن الفئة المقاومة في فلسطين لاترضى بهذا الحل وتعتبر ان المقاومة هي السبيل الاوحد لتحرير فلسطين وانهاء الاحتلال.
ومن جهة اخرى يجب القول ان الدوافع الحقيقية لقيام وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" باطلاق مثل هذه التصريحات هي ليست حبا بفلسطين بل ان هناك ملف آخر بين فرنسا والكيان الاسرائيلي ادى الى اطلاق مثل هذه التصريحات وهو ملف اليهود الفرنسيين والقضية الخلافية بين باريس وتل ابيب في هذا المجال منذ عشرات السنين.
ان فرنسا هي ثالث دولة يقطنها اليهود في العالم من حيث العدد وهناك اكثر من 500 الف يهودي في فرنسا في وقت يطمع القادة الاسرائيليين في هجرة هؤلاء الى الاراضي الفلسطينية المحتلة كما تقوم اجهزة المخابرات الاسرائيلية بتنفيذ برامج في فرنسا للتضييق على اليهود الفرنسيين لكي يفكروا بالهجرة الى الكيان الاسرائيلي لكن القادة الفرنسيين ليسوا راغبين في هجرة هؤلاء اليهود نظرا لمكانة اليهود الاثرياء في الاقتصاد الفرنسي وقد تحول هذا الموضوع الى نزاع بين القادة الصهاينة والقادة الفرنسيين.
وتدعو السلطات الاسرائيلية بين الفينة والاخرى اليهود الفرنسيين الى الهجرة الى فلسطين المحتلة لكن فرنسا تعارض هذا الامر لانها تنتفع من ثروات اليهود الفرنسيين كما ان اليهود الفرنسيين ليسوا راغبين ايضا في الهجرة الى فلسطين المحتلة لكن السلطات الاسرائيلية لاتفك عن هذه الدعوات منذ عقود من الزمن وقد ابدت السلطات الفرنسية انزعاجها من هذه الدعوات الاسرائيلية علنا ولمرات عديدة والان جاء "فابيوس" ليطرح دعم موضوع حل الدولتين انتقاما من موقف الاسرائيليين في قضية هجرة اليهود الفرنسيين الى فلسطين المحتلة.
ويأتي هذا الموقف الفرنسي الجديد في وقت تشهد فيه الضفة الغربية انتفاضة فلسطينية ثالثة ومن الممكن ان يسعى الفرنسيون ايضا الى النيل من هذه الانتفاضة عبر طرح موضوع دعمهم لحل الدولتين وفي هذا التوقيت بالذات لأن الدول الغربية كلها تعطي الاولوية لأمن الكيان الاسرائيلي في كل حال وتسعى الى انتزاع الاعتراف بشرعية هذا الكيان.
وفي مجمل الاحوال فإن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذي وجده الاوروبيون لتثبيت وجود الكيان الاسرائيلي وكلما أخر الاسرائيليون هذا الحل كلما اظهر الفلسطينيون ردات فعل اكبر لكن لايمكن القول ان الانتفاضة الفلسطينية الثالثة تدخل في هذا الاطار لأن الفلسطينيين لم ينتظروا الموقف الاسرائيلي من حل الدولتين ليبدأوا انتفاضتهم بل ان قضيتهم المشروعة هي التي ترسم لهم طريق نضالهم والسبل التي يتبعونها لمقاومة الاحتلال بكل ما يمتلكون من أدوات وقوة.