الوقت - أعلن "محمد بن سلمان" ولي ولي العهد و وزير الدفاع السعودي في الخامس من يناير من هذا العام، أن خصخصة أرامكو قد تکون جزءاً من خطط الخصخصة في السعودية. شركة أرامكو النفطية هي أكبر شركة نفط في العالم، وبالتأكيد إن خصخصتها ستؤثر علی التطورات في عالم النفط والطاقة وكذلك التطورات الإقليمية وحتى عبر الإقليمية.
تاريخ شركة أرامكو
يعود تاريخ هذه الشركة إلى عام 1933. وتشكلت الشركة بمشاركة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا"، "اكسون تكساكو" و "موبيل". في عام 1973 أصبحت السعودية من خلال اتفاقية، شريكة في 25٪ من أصول أرامكو. وازدادت هذه الحصة في عام 1975 إلى 60 في المئة. وأخيراً في عام 1984، باتت جميع أصول شركة أرامكو في ملكية السعودية. وتسيطر الشركة علی كل عمليات الاستكشاف، الاستخراج، التكرير، النقل، بيع وتسويق النفط والغاز في السعودية.
بلغت ايرادات هذه الشركة في عام 2007، 199 مليارات دولار. وقد أدى ذلك بالشركة لتصبح القوة المهيمنة في السعودية، ويكون لها التأثير على جميع جوانب المجتمع. كما تتحکم أرامكو بأكثر من 261 مليار برميل من النفط، وتضم 60 ألف موظف. لذلك، فإن هذه الشركة تلعب دوراً بارزاً في الاقتصاد، السياسة وحتى التطورات الاجتماعية في السعودية.
التكهنات والأنباء و ردود الفعل تجاه خصخصة أرامكو
أثارت إمكانية بيع أسهم أكبر شركة نفطية في العالم، العديد من ردود الفعل المختلفة في المنطقة والعالم. "محمد بن سلمان" قال في هذا الصدد: أنا شخصياً متحمس لهذه المرحلة، وأعتقد أنها في مصلحة السوق السعودية، وستؤدي إلی الشفافية في السعودية ومكافحة الفساد فيها، وستصبّ في مصلحة أرامكو أيضاً. وقد ذكرت عدة مصادر مقربة من شركة أرامكو، أن ضخامة وسعة شرکة أرامكو، والطابع السري للعديد من القضايا المحيطة بها، باعتبارها الذراع الرئيسية للسياسة النفطية السعودية، يعني أن بيع أسهم شركة الأم، أرامكو، لن يتم دراسته. کما قال مصرفي سعودي أيضاً: إن الحكومة لن تبيع مجوهراتها الملكية إطلاقاً.
ويقول أحد الباحثين الإيرانيين في هذا الصدد: إن بيع أسهم شركة أرامكو يعني تحديد سعر النفط من قبل المساهمين الأجانب، وانهيار أوبك في نهاية المطاف. ويقول "أندرو لوجان" وهو من الخبراء الاقتصاديين وعضو في تحالف المستثمرين ودعاة حماية البيئة (كورسيكا) في بوسطن: أهم تحليل في هذا المجال هو أنهم يدركون هذه المسألة، بأن عصر النفط ينتهي، وهم الآن يُخرجون أموالهم من هذه الصناعة قدر المستطاع.
انعکاسات خصخصة أرامكو علی الطاقة والتطورات الإقليمية
يحذّر خبراء النفط من أن عدم فهم السعودية الصحيح لآليات السوق الحرة، يمکن أن يؤدي بشركة أرامكو إلی مصير مماثل لشركة "بتروبراس" البرازيلية، ويقود إلى انخفاض أسعار أسهمها، لذلك، فالنقطة الهامة هنا هي أن طموح الأمير السعودي لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في السعودية، قد يكون له نتائج عكسية لعائلة آل سعود. فالتجربة قد أظهرت أن بيع أسهم أي شركة، في حين أن قيمة أصولها قد وصلت إلى أدنى مستوى ممكن، ليس تصرفاً حكيماً.
وتسعى السعودية عبر هذا الإجراء، للحدّ من قوة الشيعة في المنطقة، وتری أن إحدى المؤشرات علی إجراءها هذا، هي ضرب أحد أهم الموارد الوطنية للشيعة أي النفط. وتؤکد وكالة أنباء "بلومبيرج" في تقرير لها، أن السعودية وفي حربها الباردة ضد إيران، تبحث عن حليف إستراتيجي لها، وتريد عبر طرح أسهمها، إشرك المستثمرين الدوليين في توفير الاستقرار والأمن في السعودية. وبهذا الاتفاق، سيکون للمستثمرين الدوليين من بیوریتا إلى شنغهاي، مصالح في أمن النظام السعودي الاستبدادي.
لذلك، تسعى السعودية لربط أمنها الإقليمي بأمن القوى العظمى، وتؤثر بشكل جدي علی منظمة أوبك أيضاً.
العواقب المترتبة على خصخصة أرامكو بالنسبة إلی السعودية وأمريكا والنظام الدولي
السعودية هي دولة ريعية، وفي هذا النموذج، طالما أن الحكومة تقوم بتوزيع الثروة بين الشعب، فستتمتع بأمن نسبي، والخطر الوحيد الذي يهدد الحكومة هو أن تنخفض عائدات النفط فجأةً، ففي مثل هذه الحالة، فإن الحكومة باعتبارها الموزع الرئيسي للثروة في المجتمع، ستواجه أزمةً.
بالتزامن مع تراجع عائدات النفط، ارتكب السعوديون نفس الأخطاء التي ارتكبها الأوروبيون، فأقدموا علی خفض الميزانية الداخلية دون اتخاذ تدابير اقتصادية. ثم قامت السعودية بإغراق السوق بالنفط الرخيص، للقضاء على منافسيها. لذلك، فإن أحد أهداف السعودية لخصخصة شركة أرامكو، هو التعويض عن انخفاض أسعار النفط.
أما التأثير الآخر لخصخصة أرامكو، فهو تدويل النفط. مسألة تدويل موارد الطاقة، قد طرحت في السابق أيضاً، وقد قال بعض الخبراء الغربيين في مجال الطاقة من قبل، إنه في الأساس، ليس هناك من سبب في أن موارد الطاقة الأكثر قيمةً في العالم، مثل الغاز، الذي يتركز بشكل رئيسي في الخليج الفارسي وحقل بارس الجنوبي في ايران، بسبب كونه يقع في جغرافية محددة، يکون مملوکاً لبلد معين. في الواقع تخطط السعودية من خلال بيع أسهم شركة أرامكو، لتدويل الجزء الأكبر من احتياطيات النفط والغاز لمنظمة "أوبك"، الأمر الذي سوف تکون له آثار سياسية وجيوسياسية كبيرة.
وفي المجموع، تسعى السعودية للتعويض عن عجزها في الميزانية، وربط أمنها بأمن القوى العظمى بشکل أکثر، والتأثير علی المعادلات الإقليمية ومنظمة أوبك بشکل أكبر.
الاستنتاج
لم يتخذ الحكام السعوديون بعد قراراً نهائياً بهذا الشأن، ولعل أحد أهدافهم هو تقييم ردود الفعل الداخلية والإقليمية والعالمية، ولكن أسباباً عدة دفعت السعودية بهذا الاتجاه. أولاً، إن الانخفاض الحاد في عائدات النفط، جعل الرياض تفكر بشأن عجزها في الميزانية، ثانياً، تحاول السعودية التأثير في قرارات أوبك بشكل متزايد، ثالثاً، تسعى السعودية للضغط على منافسيها الإقليميين لإجبارهم على اتخاذ مواقف سلبية، ورابعاً، تسعى السعودية لربط أمنها بأمن القوى العظمى، لتصون مواردها النفطية من أي ضرر قد يحدث في الصراعات المحتملة في المستقبل.