الوقت - رسائل «ما فوق إستراتيجيا» بعثت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر حرسها الثوري إلى أطراف إقليمية ودولية عدّة، وذلك إثر اعتقال قوات "المارينز" الأمريكية الذين دخلوا بصورة غير قانونية إلى المياه الاقليمية الايرانية بالخليج الفارسي.
البحرية الإيرانية سارعت إلى إحتجاز الدورية الأمريكية المؤلفة من زورقين إثر دخولها للمياه الإقليمية الإيرانية لمسافة كيلومترين. إلا أن حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" التي كانت ترصد المشهد بقرب نظيرتها الفرنسية «ديغول»، تحرّكت منها طائرة «هليكوبتر» بإتجاه الزوارق المحتجزة وأرسلت مؤشرات حربية عن إمكانية التدخل وقامت بجملة من الحركات الإستفزازية، لترد قوات «الحرس» بإجراءات مضادة تؤكد أن الحراك العسكري لإنقاذ السفن سيؤدي إلى اشتباك لا تحمد عقباه. عندها إنتهى التوتّر بيد إيرانية عليا ألقت القبض على 10 عسكريين أمريكيين.
لقد أثلج «فيديو» الإعتقال الذي نشرته وكالة أنباء فارس قلوب العديد من أحرار العالم، بصرف النظر عن موقفهم السياسي من إيران، فأن يركع الضابط الأمريكي أمام جندي الحرس الثوري وتحت مرآى حاملة الطائرات الأمريكية فهذا يعني الكثير لشعوب العالم التي إعتادت أن تشاهد الجندي الأمريكي، كما في الأفلام الهوليوودية، بمثابة الـ«سوبر مان».
لم تكن ساعات إعتقال القوات البحرية في الحرس الثوري لـ10 عسكريين بينهم إمراة طويلةً هذه المرّة، بل بعد التأكد من حدوث خلل فني مع أجهزة ملاحة البحارة وتقديمهم الإعتذار وتوضيح وزير الخارجية الأمريكي لنظيره الإيراني عن أسباب الحادث تم إطلاق سراحهم في المياه الدولية. إلا أن ساعات الإستضافة هذه كانت كفيلة بتوجيه رسائل بعيدة المدى تبدأ من المياه الإقليمية لتصل إلى ما وراء البحار.
حملت هذه الحادثة في طياتها رسائل إستراتيجية جديدة، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنها تتعاطى بحزم مع كل من تسوّل له نفسه الإعتداء على سيادتها، فلم تعر طهران أي إهتمام لما برز في الصحف قبل فترة حول سعيها للتهدئة مع الجانب الأمريكي خشية نسف واشنطن للإتفاق النووي قبل الإيفاء بتعهداتها.
ثانياً: إن هذه المشاهد ستكون كفيلة بزرع اليأس في نفوس المتربصين بطهران، إلا أن التعاطي بمنطق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية كفيل بحل كافّة الأزمات وبأسرع وقت ممكن، وهذا ما قرأناه في صفحة ظريف الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" الاربعاء الماضي: اشعر بالارتياح لان الحوار والاحترام وليس التهديدات والتهور، قد حلا قضية البحارة (الامريكيين) بسرعة.. فلناخذ الدرس من هذا المثال الاخير.
ثالثاً: أتت حادثة إعتقال «المارينز» في خضم الحملة الشرسة التي تشنّها السعودية على طهران التي دعت الرياض إلى التعاطي بحكمة، لاسيّما مع الدول الإسلامية. طهران التي أكّدت للسعودية أن «للصبر حدود» تثبت من جديد أنها ليست في وارد الدخول في صراع مع أي أحد، عدا من يريد الإعتداء على البلاد وفي مقدّمتهم أمريكا والکيان الإسرائيلي.
رابعاً: إن سياسة الحزم التي تنتهجها إيران، لاسيّما قوات الحرس الثوري، لم تمنعهم من التعاطي بلين وإنسانية أجبرت وزير الخارجية الأمريكية جان كيري على الإمتنان لمن تضعهم دولته على قائمة العقوبات، فضلاً عن إتهامهم بالإرهاب. إن كافّة ما تروّج له واشنطن عن هذه القوّة تحديداً، الحرس الثوري، يعود سببه لما شاهدناه. فمن وجهة نظر واشنطن كل من تسول له نفسه الوقوف بوجه الجيش الأمريكي فهو إرهابي، فكيف بتركيعه سواء في الخليج الفارسي أو أفغانستان أو العراق أو غيرها من الدول الإقليمية.
هذه النقاط كفيلة بتفسير الصبر الإيراني على الجموح السعودي في الأيام القليلة الماضية، لأن طهران لم تنتهج سلوك الرياض «الصبياني» في التعاطي مع إنتهاك البحرية الأمريكية، وهذا ما يُفترض أن تعمد إليه أي دولة في العالم لحل القضايا العالقة خاصّة إذا كان الأمر شبيها بحادثة السفارة السعودية في طهران حيث أن بعضاً من الجموع الغاضبة بسبب إعدام الشيخ النمر وقبل ذلك منذ حادثة منى، أقدمت على تصرّفات خاطئة وصبيانية أيضاً إنتهت بإقتحام السفارة وإحراقها.
بالعودة إلى رسائل الحزم الإيراني الذي عصف بالمارينز الأمريكي، يبدو أن الحرس الثوري المكلّف بحماية الخيلج الفارسي أراد إيصال رسائل عدّة عنوانها الإقتدار والحزم والجهوزية للمواجهة في حال تعرّض أمن البلاد إلى الخطر من قبل أي معتد أجنبي، وما على الرسول إلا البلاغ