الوقت- يستكمل وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» زيارته الآسيوية حيث إنتقل من باكستان إلى جمهورية الصين الشعبية، كما أنه من المقرّر أن يزور كل من اليابان وكوريا الجنوبية.
لا ريب في أن زيارة وزير الخارجية السعودية إلى كل من الصين واليابان لا تهدف إلى حل النزاع القائم بين البلدين إثر خلافات على ترسيم الحدود، وهذا ما ظهر جليّاً بالأمس خلال لقاءات الجبير الصينية التي إقتصرت على نائب وزير خارجية الصين تشانغ مينغ. ما هو مؤكد أيضاً، أن «الجبير» ليس في وارد الوساطة بين الكوريتين من خلال زيارة إلى كوريا الجنوبية، وأما بالنسبة لباكستان فهناك حسابات آخرى يجب قرائتها من منظار إقليمي واسع.
اذاً، زيارة عادل الجبير الآسيوية إلى كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية لا تعدو عن كونها «قنبلة صوتية»، وما صدر عن العديد من الصحف السعودية عن إعتبار أن الزيارة تهدف لتبيين دور إيران "المنفي" في المنطقة لا يعدو عن كونه أيضاً تهويل إعلامي لا يؤثر على وضع إيران الإقليمي والدولي مثقال خردلة، وبالتالي جاء بعد الخلاف الأخير بين طهران والرياض، وكذلك زيارته إلى باكستان التي حملت دلالاتها الخاصّة، بهدف إضفاء دور دولي للرياض، يفوق حجمها أو دورها الإقليمي بأضعاف مضاعفة.
وأما بالنسبة لزيارة باكستان التي لطالما إعتبرت حليفاً إستراتيجياً للرياض في المنطقة، فقد إلتقى الجبير مع رئيس الوزراء نواز شريف الذي يسعى لاستغلال الزيارة لنزع فتيل التوتر بين السعودية وإيران حيث قال مكتب شريف في بيان "عبرت باكستان عن قلقها من تصعيد الموقف ونددت بحرق السفارة السعودية في طهران.. ورئيس الوزراء دعا لحل الخلافات بوسائل سلمية لصالح وحدة المسلمين."
لم تقتصر لقاءات الجبير على رئيس الوزراء، بل التقى أيضا مع قائد الجيش الباكستاني رحيل شريف ومستشار رئيس الوزراء للشؤون الخارجية سارتاج عزيز، فهل نجحت أهداف زيارة وزير الخارجية السعودي إلى باكستان؟
ترتبط باكستان والسعودية بتحالف وثيق منذ عقود طويلة، تحالف عزّزه قدوم نواز شريف إلى رئاسة الوزراء بإعتباره أمضى فترة العقد الأول من هذا القرن في الرياض بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري، وقد إستغلّت السعودية «العوز الإقتصادي» الباكستاني لتعزّز علاقاتها مع «إسلام آباد» التي تلقّت "هدايا" إقتصادية من السعودية، كان آخرها الـ1.5 مليار دولار في العام 2014 من "بلد مسلم شقيق" لزيادة احتياطيها من النقد الأجنبي.
وبالفعل نجحت الرياض خلال الفترة الماضية في كسب ودّ إسلام آباد التي تلعب دوراً بارزاً في المنطقة، إلا أن عدم قدرة باكستان على تحمل ما تتطلع إليه السعودية أثّر بشكل كبير على العلاقة التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، رغم إعلان البلدين عن الشراكة الإستراتيجية، بدءاً من رفض الجيش الباكستاني التدخّل البري في العدوان السعودي على الشعب اليمني، وليس إنتهاءاً برفض وإندهاش باكستان الشهر الماضي من ذكر إسمها في تحالف ضد الإرهاب أعلنته السعودية وقالت إن باكستان من ضمن المشاركين فيه.
في الواقع، لا تأبه السعودية للمصالح الداخلية الباكستانية، كما حال علاقتها مع العديد من الدول، إلا أن باكستان البلد النووي صاحب الـ180 مليون نسمه لا يمكنه ضرب مصالحه الداخلية عرض الحائط بسبب دعم إقتصادي سعودي هنا أو هناك. فالسعودية التي يتوسّع نفوذها الإقليمي مع إرتفاع العنف الطائفي في المنطقة، لا تهتم بعزم «إسلام آباد» على"القضاء على العنف الطائفي في الداخل وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع كل من السعودية وإيران (النفط السعودي والغاز الإيراني)"، وهو ما دفع بباكستان التي تربطها علاقات إستراتيجية مع طهران لتحاشي مناصرة طرف دون الآخر في الخلاف الأخير.
باكستان، وبخلاف الرياض، تدرك جيّداً أنها ستكون الخاسر الأكبر في أي صدام طائفي واسع النطاق بين السنة والشيعة، بإعتبار أن أكثر من 20 بالمائة من سكانها، أي حوالي 40 مليون نسمة، من الشيعة كما أن وقوفها إلى جانب الرياض ضد طهران سيؤثر على العلاقات مع الأخيرة، في حين أن قليلاً من الحيادية، وحتى لو إقتضى الأمر رجحان نسبي لكفّة الرياض، لن يؤثر على العلاقة مع طهران، كما أن السعودية لا خيار لها سواى الحفاظ على العلاقة مع إسلام آباد، وبالتالي تُبقي باكستان من خلال هذه السياسة الـ«شبه وسطية» على علاقاتها الجيدة مع طهران، وتحفظ جزءاً كبيراً من حصّتها الإقتصادية السعودية. في الخلاصة، يبدو أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لن يعود إلى الرياض بعد هذه الزيارة الآسيوية بأكثر من "خفي حنين".