الوقت- لم تسمح السعودية لرمال عاصفة الإعدام التي ينفّذها تنظيم داعش الإرهابي بأن تهدأ، بل إفتتحت مملكة الرمال العام الجديد 2016 بأكبر عملية إعدام جماعي في البلاد منذ العام 1980 حيث نفذّت أحكام الإعدام بحق 47 شخص، على رأسهم الشيخ "نمر باقر النمر".
لطالما كانت "إعدامات" داعش موضع إدانة كافّة الدول العربية والغربية، إلا أن إعدامات النظام السعودي بالأمس، رغم أنها لم تختلف في الشكل والمضمون عن تلك التي ينفّذها التنظيم الإرهابي، لم تلقى ردّة الفعل نفسها، وهو ما دفع بالعديد من الكتّاب العالميين، "روبرت فيسك" على سبيل المثال، للتساؤل عن ردّة الفعل الغربية على إعدامات السعودية التي تعدّ تصرّفاً مشابها لممارسات تنظيم داعش الإرهابي، وفق فيسك في مقال له في صحيفة "اندبندنت أون صانداي".
لم يختلف أسلوب "مملكة الرمال" في إستباحة اراقة الدماء، سواء دماء الشيعة او السنة على حد سواء، عن تنظيم داعش الإرهابي، فالتصرّف السعودي شابه ما شاهدناه على شاشات التنظيم الإرهابي الذي يقطع رقاب الشيعة والمسيحيين ومن يرى انهم مرتدين من السنة ورقاب في العراق وسوريا على حد سواء.
إن البداية الدموية لـ"آل سعود" في العام2016، تأتي بعد عام شهد واحدا من أعلى معدلات الاعدام في التاريخ الحديث حيث ختمت مملكة الرمال سجلّها الإعدامي في العام 2015 بـ158 حالة، مما دفع بالبعض، ومن باب شرّ البلية ما يضحك، للحديث عن منافسة سعودية داعشية على حصد "جائزة" الإعدام العالمية. السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا لو كان الشيخ النمر في حوزة تنظيم داعش الإرهابي، ألم يكن ليتصرف مفتي داعش مثل مفتي السعودية؟ لماذا هذا التشابه في التصرّف بين هذين الكيانين؟
عند مطالعة تاريخ آل سعود نرى أن نشأتهم وحياتهم تتقاطع بشكل كبير وحادثة صعود التنظيم الإرهابي مؤخراً، خاصةً أن الدم والأزمات ساهمت في تثبيت كل منهما، ولكن لماذا نحمّل اليوم كل المسؤولية للتنظيم الإرهابي رغم أنه وليد الأمس، من أبٍ وهابي و أم سعودية (آل سعود)؟ ألم تفرض عائلة آل سعود نفسها قبل حوالي قرن على شعب الجزيرة العربية بالمجازر والقتل والترهيب، تماماً كما هو حال تنظيم داعش اليوم؟ ألا يريد آل سعود أن يعيش أبناء الجزيرة العربية كغنم في مملكتهم أو يقتلوا كالغنم، وهو ما نسمعه يومياً من أبناء الرقّة والموصل؟
لم تكن رسالة الشيخ النمر موجّهة للخارج، سواءً إيران أو حزب الله فحسب، بل أرادت أن تقتضي بالتنظيم الإرهابي الذي يوجّه رسائله عبر "حفلات الإعدام" للداخل والخارج على حد سواء. بعبارة آخرى، يتشابه الإجراء السعودي وإجراءات داعش حيث أرادت الرياض أن توجّه رسالة قاسية لكافة أبناء الجزيرة العربية خشية أن يحذوا حذو الشيخ النمر، خاصّة أنها لمست في الفترة الأخيرة بذور إعتراضات شعبية على الإجراءات القمعية للعائلة الحاكمة.
بعد آخر و أساسي في حفلات الإعدام السعودية والداعشية هو "الفتنة السنية الشيعية" حيث كما يسعى التنظيم للقضاء على الشيعة أينما وجدوا، وذلك بغية إذكاء الفتنة، وبالتالي الصعود على كتفها، فالسعودية، أيضاً، أينما وجد مشكل في العالم بين الشيعة والسنة تكون لها اليد الطولى سواءً إقتصادياً أو "شرعياً". إن داعش الذي يدرس في الكتب الوهابية و جاء من رحم القاعدة السعودية، ليس إلا حجر شطرنج في المعادلة الإرهابية التي تجتمع في آل سعود والوهابية هناك.
بالنسبة لي، و للعديد من أبناء الشعوب العربية، ليس ثمّة أي فرق بين الداعشية والسعودية سوى أن الأولى ذو غطاء ديني بإمتياز، و الأخيرة ذو غطاء ديني – سياسي في آن واحد، ولعل هذا ما دفع بداعش لإعطاء خلافتها بعد مذهبي، مقابل البعد العائلي-السياسي لخلافة آل سعود. لقد كشف الإجراء السعودي المتمثّل بإعدام "الشيخ النّمر" وجه النظام الحقيقي، الذي تسبّب بمقتل الألاف في اليمن مباشرة وسوريا بشكل غير مباشر، إلى العالم، فآل سعود والوهابية ومن ضمنهم داعش هم وجهان لعملة واحدة، عملة الإرهاب والتكفير والإجرام.
إن أبناء داعش والقاعدة هم تلامذة المدرسة السعودية التي يشارك في إدارتها أساتذة الوهابية، و أما منهاجها فتتضمّن القتل والإعدام والتكفير والإجرام، وفصولها الفتنة والردّة والنكاح. ما شاهدناه بالأمس هو غيضٍ من فيض الإجرام السعودي، الذي يتنكّر تارةً برداء القاعدة، وآخرى برداء داعش والنصرة.