الوقت- بدأ العام 2016 وسط دعواتٍ لمحاربة الإرهاب، لا سيما من الدول الغربية. وهو الأمر الذي أصبح موضع تساؤلٍ كبير، نتيجة زيف ادعاءات الغرب فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، وهو ما تؤكده الحقائق التي تتوضَّح يوماً بعد يوم، والتي تُبيِّن مسؤولية الدول الغربية لاسيما واشنطن، في تنمية الإرهاب ودعمه. فكيف يمكن تأكيد ذلك، من خلال مراجعة السياسة الغربية في منطقتنا والعالم؟
حقائق كثيرة نُشير لبعضها:
إن مراجعة السياسة التي يتبناها الغرب تحديداً تجاه الشرق الأوسط، تجعلنا نقف عن العديد من الحقائق، والتي تتضمَّن العديد من الدلالات. وهو ما يمكن تبيين بعضه بالتالي:
- يوجد علاقة واضحة بين سياسة أمريكا ودول الأطلسي بما يمكن تسميته بتفشي الإرهاب في العالم. إذ أن العمل على تأجيج الإنقسامات وتغذية الكراهية، والتعاطي على أسس طائفية أو قومية أو دينية، تعتبر ركيزة السياسة التي تستخدمها القوى الكبرى للسيطرة على مصائر الشعوب ومقدراتها. وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال الآليات التنفيذية التي يعتمدها الغرب، في تحقيق أهدافه.
- فمن خلال مراجعةٍ سريعة لما حصل في دول عديدة كالعراق وليبيا وباكستان وسوريا واليمن، نجد أن الدول الغربية اتخذت من الإرهاب والصراعات الداخلية ذريعة للتدخل في هذه البلدان للتحكم في قرارتها ومقدراتها، والسيطرة على ثرواتها.
- كما أن العودة الى الواقع الذي يعيشه العراق تحديداً، كان نتيجة الغزو الدولي الذي حصل بقيادة واشنطن. بينما تتقاسم الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات، الموارد النفطية الضخمة التي يمتلكها هذا البلد.
كيف تتفق سياسة الغرب مع الإرهاب؟
من خلال الأمثلة القليلة التي ذكرناها أعلاه، نجد أن مراجعة التاريخ السياسي الحديث للدول الغربية التي تدعي الحرب على الإرهاب، تظهر أن السياسات التي تعتمدها، تتوافق مع النهج الداعم لتمدد الإرهاب. وهنا ندعم كلامنا بالتالي:
- سعت وسائل الإعلام الغربية طول الفترة السابقة الى شن عددٍ من الهجمات الأيديولوجية باستخدام أجهزة الدعاية التابعة للغرب، عبر وسائل الإعلام والآليات الترويجية، وذلك بهدف الوصول للشعوب وزرع الأفكار التي تساهم في التمهيد لظهور حركات متطرفة، من ثم تمويلها وتنظيمها. لتكون المرحلة الثانية دعم هذه الجماعات، لإستخدام طبعها المتشدد والدخول في صدام مع المجتمعات والسلطة القائمة، عبر تغذية التناقضات وإحياء الحساسيات بين فئات المجتمع والجهات والطوائف، مما يؤدي لتفاقم العنف ويفتح الباب أمام الحاجة للغرب، ويُمهد الطريق للتدخل العسكري.
- وهو الأمر الذي ترجمه ما يُعرف بصدام الحضارات. مما أدى في البداية لتبرير نشأة المجموعات المتشددة كتنظيم القاعدة في أفغانستان خلال فترة الحرب الباردة، تحت ذريعة محاربة الإتحاد السوفييتي ولعل التقارير التي طالعتنا بها وكالات الإستخبارات العالمية لا سيما في فضائحها التي نشرها المنشقون عنها، ذكرت بأنه عام 1979، قامت الولايات المتحدة وحلفائها ولأول مرة بتجميع المتشددين الدينيين الذين يدعون الإسلام، ودربتهم تحت تسمية "مقاتلي الحرية"، من أجل إسقاط الحكومة الأفغانية الاشتراكية آنذاك. والجدير ذكره أن السعودية كانت اللاعب الأساسي في ذلك، الى جانب عدد كبيرٍ من الدول الغربية لا سيما فرنسا وبريطانيا، كما أن الكيان الإسرائيلي لم يكن بعيداً عن تلك الخطوة.
- ولم تكتف هذه الدول بذلك بل قامت بدعم حرب العصابات في دول أمريكا اللاتينية والتي تُعرف بالعصابات الخارجة عن القانون، وذلك بهدف إسقاط الأنظمة المعادية للغرب والرأسمالية. مما ساهم في تكوين واقعٍ يحتضن هذه العصابات وأدى بالنتيجة الى ازدياد معدلات الجريمة والفساد والتمرد في دول أمريكا الجنوبية.
النتيجة:
إن ربط التاريخ بالحاضر، يجعلنا نقف عند عددٍ من المفاتيح التي تُظهر تطور الإرهاب. وهذه المفاتيح يمكن اختصارها، بالغرب كمُخطط في مقدمته أمريكا والذي يحكمها اللوبي الصهيوني، الى جانب السعودية والتي تُؤثر بالدول الخليجية الأخرى، الى جانب الكيان الإسرائيلي. كلها مراكز قرارٍ إما للتخطيط لإدارة الإرهاب، أو دعمه مالياً ولوجستياً. لنقول أن سياسات الغرب وما يدور معها في الشرق، هي السبب الأساسي بل الطرف الهادف لنشر الإرهاب وتنميته. إذ يُشكل نمو الإرهاب حاجةً لإستمرارية هذه الأطراف.
لذلك فإن حجم التناقض في السياسات الغربية لم يعد مُستغرباً. بل إن هذا التناقض المقصود، كان يمر مرور الكرام في الماضي القريب. لكن وعي الشعوب اليوم، جعل الأمر مختلفاً. لنقول أن الأمة أصبحت تعي حقائق التاريخ. فالجميع بات يعرف أن أصل الإستكبار العالمي هو أمريكا. كما أن الأمة الإسلامية باتت مُتيقنةً بأن الطاغوت الذي يُعتبر سبب الأزمات في منطقتنا هو السعودية والكيان الإسرائيلي. فيما تشهد الدول الأوروبية حالةً تغييرية تتعدى كونها ظرفية لتكون جذرية. لنصل الى نتيجةٍ مفادها أن إدعاء الغرب الحرب على الإرهاب ليس سوى كذبةٍ لم تعد تمر على أحد. بل إن الإرهاب الذي صنعوه، سيكون سبباً لنهايتهم.