منطقة الهرمل ، ذات الغالبیة الشیعیة، أحد المناطق الخمسة فی وادی البقاع الذی یقع شمال شرق لبنان، تمتاز بکثافة سکانیة منخفضة مقارنة بباقی المناطق اللبنانیة. کما أنّها تتمتع بمناخ جاف جداً الی جانب أرض قلیلة الخضوبة؛ وهذا السبب هو وراء انخفاض الکثافة السکانیة فیها. تبلغ مساحة الهرمل 731 کیلومتر مربع ( أی ما یعادل السبعة بالمئة من ممل مساحة لبنان الإجمالیة) و یعیش فی کل کیلو متر مربع ستة و ستون نفس. یحدّ الهرمل من الغرب منطقتین ذات أغلبیة سنیة عکار والضنیة، ومن الجنوب والشرق بعلبک، ومن الشمال تحدّها سوریا. کما أن الهرمل تعتبر أبعد مدینة لبنانیة عن العاصمة بیروت.
بسبب مجاورتها لمنطقة القصیر السوریة حظیت الهرمل بأهمیة استراتیجیة، وخاصة من بعد خروج هذه المنطقة –القصیر- من سیطرة المجموعات الإرهابیة المسلحة، لتتزاید أهمیتها عند المجموعات الإرهابیة بعد التحولات التی طرأت فی الأشهر الثلاث الأخیرة علی الساحة السوریة وتحریر المناطق الحدودیة السوریة المحاذیة للبنان (القصیر والقلمون).
تعرضت منطقة الهرمل فی الشهر الأخیر الی عملیتین إرهابیتین راح ضحیتها العشرات من المدنیین الأبریاء، حیث قتل فی التفجیر الأخیر الذی تمّ عبر سیارة مفخخة ثلاث أشخاص وجرح ستة وعشرین آخرین. کما تمّ إطلاق عدد من القذائف مباشرة علی الهرمل من بعد هذه العملیة الإرهابیة، لتتبنی جبهة النصرة مسؤولیة هذه العملیة فیما بعد.
الموقع الجغرافی لمدینة الهرمل، والترکیبة السکانیة والأهمیة الإستراتیجیة لهذه المدینة تفضح بشکل کامل الأهداف المبیتة من العملیات الإرهابیة هذه.
مما لا شک فیه أنّ تفجیرات الهرمل الأخیرة هی جزء من مخطط إجرامی لا یستهدف فقط المناطق اللبنانیة ذات الأغلبیة الشیعیة، بل یستهدف کل المناطق اللبنانیة علی اختلاف انتمائها الطائفی.
تختلف المکاسب من هذه التفجیرات بحسب نسبة مشارکة کل من المساهمین فی هذه العملیات، ابتداءً التخطیط وصولاً الی توفیر المعلومات الإستخباراتیة والتجهیزات اللازمة، الإمدادات المالیة وتنفیذ العملیات، ولا یمکن القول بأن تیار ما أو بلدٍ ما هو المستفید لوحده من هذه الأزمة.
مما لا شک فی أن المخططین الأصلیین الذین یقفون وراء تفجیرات الهرمل هم الولایات المتحدة الأمیرکیة والکیان الصهیونی، والعملاء التکفیریین الذین قاموا بتنفیذ هذه العملیات الإرهابیة لما کان باستطاعتهم ارتکاب هذه الجرائم لولا الإمداد السعودی بالمال والسلاح. علی هذا الأساس یمکننا القول بأن هذه العملیات الإرهابیة ما هی إلا ترجمة للقرارات الأمیرکیة، الصهیونیة، السعودیة بأدوات لبنانیة.
مما لا مفر منه هو أن فی تحلیلنا للأحداث التی نشهدها فی أیامنا هذه علی الساحة اللبنانیة لا یمکن فصلها عن التحولات التی نشهدها علی الساحات السوریة والعراقیة والیمنیة و... حیث أن المعسکر الغربی – الصهیونی وحلفاءهم فی المنطقة یتعرضون لهزیمة مریرة من قبل تیار المقاومة فی المنطقة.
علی هذا الأساس، المخططون للتفجیرات الإرهابیة التی استهدفت مدینة الهرمل اللبنانیة کانوا یسعون وراء تحقیق أهداف عدّة علی المدی القریب وأخری علی المدی البعید بشکل متزامن:
- أولاً: إرعاب التیار المقاوم وتهیئة الأرضیة لتسدید ضربات لتیار المقاومة فی لبنان (یحظی حزب الله لبنان بدعم شعبی واسع من سکان هذه المنطقة).
- ثانیاً: توسیع دائرة الإرهاب الذی یعصف بسوریا لیصل الی لبنان (أحد حلقات سلسلة المقاومة).
- ثالثاً: استمراریة بقاء الکیان الصهیونی ونظام آل سعود. إیجاد ومن بعد ذلک تصدیر الأزمة الی باقی دول المنطقة، نظراً الی إنطلاق الصحوة الإسلامیة، یضمن بقاء النظام الملکی والتابع للسیاسات الأمیرکیة فی الریاض. من هذا المنطلق لا ینبغی للمنطقة أن تنعم بالإستقرار لأن هذا من شأنه أن یتسبب بالإنتباه الی نظام آل سعود المتصدع من الداخل من جهة، ومن جهة أخری یعنی تفرغ شعوب المنطقة للکیان الغاصب فی تل أبیب.
- رابعاً: عطف إهتمام الأمة الإسلامیة عن القضیة الأساس التی ابتلیت بها الأمة الإسلامیة أی القضیة الفلسطینیة.
علی الرغم من هذا ، فإن المخطط ونظراً الی إمکانیة تکرار العملیات الإرهابیة المماثلة علی الأراضی اللبنانیة فی المستقبل، مما لا شک فیه أن حرکة المقاومة الشعبیة فی هذا البلد لا تخشی إجراءات کهذه، بل ستزداد إیماناً بأنه کلما ازدادت حدّة العملیات الإرهابیة فإن هذا هو بمثابة مصداق علی أن التیار الصهیو-وهابی والتکفیری قد منیَ بهزیمة نکراء فی کل من سوریا والعراق. هذه العلامات لن تصیب قلب التیار المقاوم بأی نوع من أنواع الخوف وستصبح قاعدته الشعبیة فی المنطقة ستصبح أکثر إصراراً علی مشاهدة زوال الحرکات التکفیریة.