الوقت - خيم شبح الحرب أكثر من أي وقت مضى على الأراضي المحتلة، فيما تندلع من جديد الاحتجاجات العالمية ضد الجرائم الصهيونية، لكن هذه المرة بدأ سيف الاحتجاج يقطع حناجر أمراء الحرب أنفسهم، موجة من الاضطرابات الصامتة، كالهمس خلف الجدران الخرسانية للموساد وقصر رئيس الوزراء، وصلت اليوم إلى صرخة طغت حتى على صوت الانفجارات في غزة.
والآن، ليس من صواريخ المقاومة، بل من أقلام القادة المتقاعدين المرتعشة، ومن توقيعات الأطباء المتعبين من الدماء، ومن عرائض الجنود الذين لم يعودوا على استعداد لأن يكونوا دروعاً ضد طموحات السياسيين، بدأت حرب أخرى، حرب استهدفت أسس القوة من خلف الجبهات، ومن قلب تل أبيب والقدس المحتلة.
وصلت أبعاد التمرد الداخلي في الكيان الإسرائيلي ضد بنيامين نتنياهو إلى ذروة جديدة بعد الرسالة المفتوحة التي وجهها مسؤولون سابقون في الموساد، والتي دعت إلى وقف الحرب على غزة وإبرام اتفاق لتبادل الأسرى، وتضاف الرسالة إلى سلسلة من الطلبات والالتماسات السابقة التي وقعتها قطاعات مختلفة من المجتمع الإسرائيلي، بما في ذلك الأطباء، وسلاح الجو، ووحدة 8200، والبحرية، والمدفعية، والاحتياط، وقطاع الاستخبارات، ودعا الموقعون صراحة إلى إنهاء الحرب واتهموا نتنياهو بإطالة أمد الصراع لتحقيق أغراض سياسية شخصية.
اتهامات واسعة النطاق وعابرة للأحزاب ضد نتنياهو
ولم يقتصر النقد الموجه إلى نتنياهو على النخب السياسية أو الحزبية، بل شمل قطاعات واسعة من المجتمع الصهيوني، وأظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" مؤخرا أن 60% من الصهاينة يعتقدون أن سياسات نتنياهو قد تؤدي إلى حرب أهلية، لأنه يواصل الحرب من أجل أهداف شخصية فقط، دون النظر إلى عواقبها الأمنية والاجتماعية.
لماذا هذا التمرد الداخلي مهم؟
إن هذه الموجة من الاحتجاجات، التي اشتدت مع استمرار الحرب في غزة، ليست ظاهرة مؤقتة، بل هي ذات أبعاد سياسية وأمنية عميقة، وقد كشفت هذه التحركات عن ثغرات هيكلية في الأجهزة الأمنية والعسكرية للكيان الإسرائيلي، بما في ذلك الاختلافات بين الموساد والجيش وأجهزة الاستخبارات والحكومة.
إن هذه الفجوة في المؤسسات الأمنية، والتي عادة ما تكون متماسكة وفعالة للغاية، تشكل علامة تحذيرية، ومن ناحية أخرى، تعكس هذه الاحتجاجات انقساما عميقا بين المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي في عهد نتنياهو ــ وهو انقسام متجذر في الاختلافات الاستراتيجية، وليس مجرد خلافات سطحية.
الاتهام الرئيسي: الحرب أداة للبقاء السياسي لنتنياهو
وتتهم الالتماسات الموقعة نتنياهو باستغلال حرب غزة لتحقيق أهداف شخصية، بما في ذلك الحفاظ على السلطة، وتجنب المحاكمة في قضايا الفساد، وتأخير الانتخابات، وتظهر هذه الاتهامات أن الأزمة الحالية في الكيان الصهيوني هي أزمة استراتيجية؛ وخاصة أن كثيرين في الأراضي المحتلة أدركوا أن الحروب السابقة بدأت بحجة "الأمن القومي"، ولكن هذه المرة تدور الحرب تحت تأثير نزاعات داخلية عميقة.
التداعيات السياسية والأمنية للثورة ضد نتنياهو
وقد تؤدي هذه الاحتجاجات إلى سيناريوهين محتملين:
1- التغيرات الداخلية العميقة والمواجهة المباشرة: إن استمرار الانقسامات قد يؤدي إلى احتجاجات أوسع نطاقاً، من جهة، المعارضين الذين يرون أن الحرب عبثية ولا هدف لها، ومن جهة أخرى، الحكومة التي تصر على استمرار الحرب للحفاظ على سلطتها.
2- انهيار الحكومة والانتخابات المبكرة: قد يؤدي الضغط الداخلي المتزايد إلى التشكيك في شرعية حكومة نتنياهو ويؤدي إلى تشكيل حكومة بديلة أو إجراء انتخابات مبكرة.
تأثير التمرد الداخلي على حرب غزة
لقد أثرت هذه الأزمة بشكل مباشر على تماسك الجيش الإسرائيلي وعلى عملية صنع القرار، على سبيل المثال، أدى قرار رئيس أركان الجيش الجديد بتسريح أعداد كبيرة من أفراد القوات الجوية والبحرية إلى إضعاف الروح المعنوية للجيش وتقليص الكفاءة العملياتية، كما أن هذه الاضطرابات ألقت بظلالها على عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
السيناريوهات المستقبلية المحتملة
1. اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى: قد يوافق نتنياهو على اتفاق شامل مع حماس تحت ضغط الموساد والجيش، ورغم أن هذا القرار قد يثير غضب اليمين المتطرف، فإنه يمنحه الفرصة لكسب الوقت.
2. انهيار الحكومة والانتخابات المبكرة: إذا انتشرت الاحتجاجات، فقد ينهار الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو، وفي هذه الحالة، ونظرا لشعبيته المنخفضة، فإن فرصته في العودة إلى السلطة ضئيلة.
3. تكثيف الاحتجاجات والاضطرابات المدنية: إذا استمرت الهزائم العسكرية في غزة، فقد تنتشر الاحتجاجات إلى النقابات العمالية والمؤسسات الاقتصادية، ما يؤدي إلى شل حركة "إسرائيل".
4. تأثير السياسة الأمريكية: إذا دعت إدارة ترامب، بسبب رحلاتها الإقليمية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، إلى خفض التوترات، فقد تدفع نتنياهو نحو اتفاق مع حماس وتطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وبالتالي تحقيق هدفين في وقت واحد.
مستقبل "إسرائيل" غير المؤكد
إن الكيان الصهيوني اليوم يخوض حرباً عقيمة لا تؤدي إلى النصر فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تفكك بنيته الداخلية، وقد تؤدي هذه الأزمة إلى انهيار الحكومة، أو اندلاع حرب أهلية، أو تغييرات جذرية في المعادلات السياسية، وعلى أي حال فإن "إسرائيل" تقف على أعتاب تحول كبير من شأنه أن يغير مستقبلها بالكامل.