الوقت - في سياق الجلسة المخصصة لمناقشة "الأوضاع في الشرق الأوسط، مع التركيز على القضية الفلسطينية"، ألقى أمير سعيد إيرواني، الممثل الدائم للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى الأمم المتحدة، كلمةً جاء فيها:
سيدتي الرئيسة
يتجرع قطاع غزة مرارة حملة تدميرية شرسة لا هوادة فيها، فعلى مدار العام المنصرم، أفضت الممارسات العدوانية وسياسات الإبادة الجماعية التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي إلى إلحاق أضرار كارثية غير مسبوقة بالمدنيين في غزة، ويرزح شمال القطاع حالياً تحت وطأة حصار قاسٍ، في حين حوَّلت العمليات العسكرية الإسرائيلية المناطق المأهولة بالسكان، ولا سيما جباليا، إلى ساحات صراع مشتعلة، ما أوقع المدنيين في براثن ظروف إنسانية بالغة القسوة، محرومين من أبسط مقومات الحياة من غذاء وماء ورعاية طبية.
أضحى هذا الحصار المستعر أمداً يضع المدنيين أمام خيارات مروعة: إما المجازفة بالفرار تحت وابل من نيران الصهاينة الغاشمة، أو المكوث في أماكنهم على شفا الهلاك، ويتفاقم هذا الوضع المأساوي في ظل الإعاقة المتعمدة لوصول المعونات الإنسانية، في انتهاك صارخ لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني.
لقد تعرض المدنيون، بمن فيهم الأطفال وأعداد لا تُحصى من الأسر، لحرمان ممنهج من أبسط مقومات الحياة، ليجدوا أنفسهم في مواجهة شبح المجاعة، ونقص حاد في الرعاية الطبية، وتهديد دائم بالتهجير القسري، ولا يزال نظام الفصل العنصري الإسرائيلي يتخذ من التجويع سلاحاً في حربه الشعواء.
منذ ما يزيد على أسبوعين، أُوقفت جميع قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة، وقد علّق هذا الحصار الجائر، وإلى أجل غير مسمى، الجهود الحثيثة لتوفير اللقاحات الضرورية وغيرها من الخدمات الحيوية التي لا غنى عنها للبقاء.
إن هذه الإجراءات التعسفية تتجاوز في قسوتها مجرد منع وصول المساعدات؛ إنها بمثابة هجوم سافر على كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه الأساسية، ومحاولة ممنهجة لتقويض حقه الراسخ في الحياة، من الضروري أن تبقى غزة موحدةً، وألا يُجبر شعبها على النزوح أو الرضوخ لهذا القمع المدروس والممنهج.
نستنكر بأشدّ العبارات القرار الأخير للکيان الإسرائيلي باستهداف وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، والذي يرمي إلى عرقلة دورها الحيوي في تقديم الدعم الإنساني. هذا الإجراء الجائر، الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه يرقى إلى مستوى "العقاب الجماعي"، يتعارض بشكل صارخ مع ميثاق الأمم المتحدة والالتزامات القانونية الدولية المفروضة على الکيان الإسرائيلي.
تُعدّ الأونروا حجر الزاوية في جميع جهود الاستجابة الإنسانية في غزة، وإن استهدافها بهذا الشكل الممنهج من شأنه أن يحرم الفلسطينيين من شريان حياة أساسي، مضيفاً بذلك طبقةً إضافيةً من المعاناة إلى هذه الأزمة الإنسانية المستفحلة.
سيدتي الرئيسة
إن التمرد السافر والمطلق للكيان الإسرائيلي إزاء الفظائع الممنهجة وواسعة النطاق في قطاع غزة، مقروناً بالدعم السياسي والعسكري والاقتصادي اللامشروط الذي يتلقاه من بعض الأطراف الغربية الداعمة، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، لم يُسفر إلا عن تمادي هذا الكيان في نهجه العدواني وسياساته التوسعية عبر أرجاء المنطقة بأسرها.
ولقد امتدت رقعة هذه الأجندة الوقحة لتطال لبنان، ما يشكّل تهديداً جسيماً للسلم والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، يتجاهل الكيان الإسرائيلي الأمر المؤقت الصادر عن محكمة العدل الدولية بوقف أعماله غير المشروعة، ويستمر في اقتراف جرائمه في غزة ولبنان؛ وهي أفعال ترقى بوضوح إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بل حتى الإبادة الجماعية.
قبل ثلاثة أيام فحسب، ارتكب هذا الكيان جريمةً أخرى وعملاً عدوانياً ضد سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وسلامة أراضيها، في خرق صارخ لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
سيدتي الرئيسة
إن نظام الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي، يمثّل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين، يقف مجلس الأمن اليوم أمام منعطف تاريخي حاسم: إما أن يتخذ إجراءات صارمة وحازمة لوقف آلة الحرب الإسرائيلية، والحيلولة دون المزيد من الإبادة الجماعية والحرب والعدوان، أو أن يسمح ضمنياً باستمرار هذه الجرائم دون رادع أو حسيب.