الوقت - مع تغير الأنظمة السياسية، وخاصةً في شكلها الحالي من خلال الانتخابات، من المتوقع دائمًا حدوث قدر معين من التغييرات في مستويات مختلفة من صنع السياسات مقارنةً بالماضي.
ولهذا السبب، فإن أحد مجالات الاهتمام في دراسات العلاقات الدولية، هو التغيرات التي تحدث في استراتيجيات ومناهج وتكتيكات الحكومات في مجال السياسة الخارجية.
وفي هذه الأثناء، كلما زاد وزن الدولة ونفوذها في التطورات الإقليمية والدولية، فإنها بالتأكيد تلفت الانتباه أكثر إلى تطوراتها الداخلية في البيئة المحيطة والعالمية.
إيران، باعتبارها قوةً إقليميةً مهمةً، ولاعبًا مؤثرًا في عملية مختلف المجموعات الإقليمية الفرعية في غرب آسيا (من الخليج الفارسي إلى الشام، وشرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر) وآسيا الوسطى، اجتازت في الأيام القليلة الماضية، وبعرض مجيد للديمقراطية الدينية، الانتخابات الرئاسية، والتي تمكن من خلالها الدكتور "مسعود بزشكيان" من الفوز ليصبح على رأس الإدارة التنفيذية للبلاد للسنوات الأربع المقبلة.
بعد اتضاح فوز السيد بزشكيان، إلی جانب سيل التهاني الإقليمية والدولية له، كان قادة المجموعات الأعضاء في محور المقاومة في المنطقة، في الصف الأول من الذين هنأوا هذا النجاح للسيد بزشكيان والشعب الإيراني والقيادة الحكيمة للثورة الإسلامية، على إجراء هذه الانتخابات المجيدة، وتمنوا التوفيق للحكومة الجديدة، وأكدوا على مرافقة إيران حكومةً وشعباً في الحفاظ على العلم المرفوع منذ انتصار الثورة الإسلامية حتى النصر النهائي.
هذه الرسائل ومضمونها الصادق، بالإضافة إلى إظهار عمق التحالف الاستراتيجي بين مختلف أطراف محور المقاومة مرةً أخرى، تظهر مدى رضا واطمئنان قادة جبهة المقاومة من استمرار هذا التحالف، في ظل التطورات والديناميكيات السياسية الداخلية لإيران، التي تتمتع فعلاً بالعوامل الأساسية للديمقراطية، في سيادة الشعب على مصيره، واختيار قادته وسياساته من الأعلى إلى الأسفل.
كما قال السيد حسن نصر الله في رسالة التهنئة التي وجهها للرئيس الإيراني المنتخب، وهو يستذكر التعاون مع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة الإسلامية: "أبارك لكم الانتخاب، وأسأل الله أن يحفظكم ويعينكم لتحقيق آمال وتطلعات الشعب، في حزب الله وفي حركات المقاومة، نتطلع لإيران كسند قوي ودائم للمقاومين والمظلومين، مع سيادتكم سنواصل الطريق حتّى النصر النهائي".
كما أشارت بحق رسالة السيد حسن نصر الله، فإن هذا الاطمئنان يأتي من تجربة ما يقرب من نصف قرن من العلاقات الاستراتيجية بين إيران وحلفائها الإقليميين في محور المقاومة، حيث لم يتمكن أي تطور من إحداث خلل في توسيع هذه العلاقات، ويوماً بعد يوم بدماء المجاهدين أصبحت المقاومة أقوى من ذي قبل.
نادراً ما تقوم الحكومات بمراجعة سياساتها الكلية والاستراتيجية، والتي يتم صياغتها بناءً على تعريف المصالح الوطنية والأمنية، ومن الممكن فقط استخدام أساليب (تكتيكات) مختلفة لتنفيذ هذه الأهداف في السياسة الخارجية.
وفقاً لذلك، وبما أن أهداف إيران الاستراتيجية في دعم محور المقاومة ومواجهة الهيمنة الغربية واحتلال الکيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني المضطهد، تنبع من عمق المعتقدات القومية والدينية للشعب الإيراني، وبما أن تجربة عقدين من السياسات الحربية للغرب في منطقتنا، مع احتلال أفغانستان والعراق، ومن ثم انتشار الفوضى في سوريا وظهور "داعش" والجماعات التكفيرية الأخرى، أثبتت أن الحفاظ على أمن إيران القومي ووحدة أراضيها، يرتبط ارتباطاً مباشراً بقوة محور المقاومة في المنطقة، للتعامل بفعالية مع التهديدات في المواقف التاريخية، فمن الواضح للجميع، بما في ذلك أعداء محور المقاومة، أن تغيير الحكومات ليس له أي تأثير على استمرار الخطوط الاستراتيجية لسياسة إيران الإقليمية والمبدئية.
وفي الأساس، أظهرت التجربة أن المنظور الداخلي لإيران، فيما يتعلق بالسياسات الاستراتيجية الإقليمية، مثل الشأن العسكري والدفاع الصاروخي للبلاد، هو قضية عابرة للأحزاب، ويتم النظر إليها على أساس مؤشر ومؤثر في زيادة القوة الوطنية والحفاظ على الأمن الإقليمي.
وقد تجلت هذه القضية مرةً واحدةً وإلى الأبد في التشييع المهيب للشهيد اللواء الحاج قاسم سليماني على أيدي ملايين الإيرانيين، حيث رافق الإيرانيون، بغض النظر عن آرائهم السياسية وطوائفهم العرقية والدينية، جثمان الحاج قاسم إلى منزله الأبدي كبطل قومي، وكان الحاج قاسم الرمز الكامل للمقاومة، والعقل المدبر وراء تنظيم هذا التحالف، في منصب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
ولكن بالإضافة إلى هذه الجوانب الأساسية لاستراتيجية حفظ وتوسيع دعم إيران لجماعات المقاومة في المستقبل، وخاصةً في حكومة الدكتور بزشکيان، فإن العنصر الثابت في هذه الاستراتيجية، هو المواقف المبدئية والثورية التي تبناها الرئيس المنتخب لفترة طويلة، وتكررت في الأيام الأخيرة فيما يتعلق بإعلان الاستعداد لمواصلة دفع السياسات لدعم المقاومة في المنطقة.
وفي هذا الصدد، وفي رسالة مهمة وجّهها الأسبوع الماضي إلى السيد حسن نصر الله، قال الدكتور بزشکيان: "لقد دعمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دائمًا مقاومة شعوب المنطقة ضد الکيان الصهيوني غير الشرعي. إن دعم المقاومة متجذر في السياسات الأساسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومُثُل الإمام الخميني (رحمه الله)، وتوجيهات المرشد الأعلى(دام ظله الشريف)، وسيستمر بقوة".
وشدّدت هذه الرسالة، التي تعتبر إشارةً مشرفةً ومهمةً جداً في الوضع الحساس الذي تعيشه المنطقة ولبنان، على استمرار نهج المقاومة في السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية الرابعة عشرة.
وفي رسالة أخرى لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أكد السيد بزشکيان على استمرار دعم الشعب الفلسطيني المظلوم، حتى حصوله على حقوقه كاملةً، وقال الرئيس الإيراني المنتخب في رسالته إلى إسماعيل هنية: إنني على يقين أنه في ظل الصمود التاريخي لشعب فلسطين المقاوم، وغزة المظلومة القوية، والنضال البطولي لمقاتلي المقاومة الفلسطينية في الحرب الحالية، فإن النصر الإلهي سيکون من نصيب فلسطين العزيزة.