الوقت- بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات على وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، فإن عملية التنمية في هذا البلد، رغم الُعًقد الاقتصادية والأمنية والسياسية الصعبة، لا تزال بعيدة عن نقطة الاستقرار التي يريدها شعب هذا البلد والمجتمع الدولي. وفي هذه الأثناء، ومع الأخذ في الاعتبار أن الأزمات الداخلية في أفغانستان كان لها تأثير لا مفر منه على محيط البلاد لفترة طويلة وكانت مصدرا لتحدي مصالح الدول المجاورة بطرق مختلفة، لذلك فإن جيران أفغانستان، وخاصة في الفترة الأخيرة، وعلى مدى ثلاث سنوات عقدت اجتماعات عديدة للتوصل إلى حلول شاملة وحلول مستدامة لقضايا ومشاكل أفغانستان من خلال التعاون والمشاركة الجماعية.
وفي هذا الصدد، فإن إحدى المبادرات السياسية لدول جوار أفغانستان هي تشكيل "مجموعة الاتصال الإقليمية" التي عقدت قبل يومين في العاصمة الايرانية طهران جولتها الثانية من اجتماعاتها الدورية بحضور ممثلين خاصين للدول الأربع إيران والصين وروسيا وباكستان، وشارك في هذا اللقاء كل من حسن كاظمي قمي الممثل الخاص للرئيس الإيراني لشؤون أفغانستان، و"يو شيا يونغ" الممثل الخاص للرئيس الصيني لشؤون أفغانستان، و"زمير كابولوف" الممثل الخاص لروسيا لشؤون أفغانستان، و"آصف دوراني" الممثل الخاص لباكستان.
وفي وقت سابق، قال سيد رسول موسوي، مساعد وزير الخارجية ومدير عام جنوب آسيا بوزارة الخارجية الإيرانية، عن أهداف هذا الاجتماع الإقليمي: "التشاور بين الممثلين الخاصين لإيران وباكستان والصين وروسيا بشأن مستقبل المنطقة وأفغانستان مدرجة على جدول أعمال هذا الاجتماع".
وحسب هذا الدبلوماسي الإيراني فإن "الاجتماع في طهران سيكون رسالة سلام واستقرار وتنمية لأفغانستان والمنطقة في ضوء التعاون والتكامل الإقليمي"، وعقد الاجتماع الأول لمجموعة الاتصال الإقليمية بشأن أفغانستان في كابول في شهر شباط/فبراير 1402هـ بناءً على اقتراح ومبادرة إيران، وحضر هذا الاجتماع الممثلون الخاصون وسفراء دول المنطقة وأفغانستان المجاورة.
ويعد اجتماع طهران استمرارا لسلسلة اجتماعات صيغة موسكو التي عقدت في السنوات الماضية، وعقد الاجتماع السابق لـ"صيغة موسكو" في الـ 29 من سبتمبر 2023، وكان جدول أعماله تشكيل حكومة شاملة وضمان حقوق المرأة ومكافحة خطر الإرهاب في أفغانستان.
واعترف المشاركون بعدم إحراز تقدم في بناء حكومة شاملة حقا في أفغانستان، كما طلبوا من السلطات الأفغانية الحالية توفير الظروف اللازمة لتحسين رفاهية الشعب الأفغاني ومنع المزيد من هجرتهم وتوفير الظروف لعودة المهاجرين، وأصبح تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان أحد المخاوف على المستوى الدولي منذ وصول طالبان إلى السلطة، لكن طالبان لم تظهر الإرادة للسماح للأقليات العرقية الأخرى بالدخول إلى الحكومة المؤقتة، وقد ظلت هذه القضية محل اهتمام وعقبة أمام الاعتراف بحكومة كابول.
بحث سبل التعاون مع طالبان في اجتماع طهران
إن أحد الاحتياجات الإقليمية والدولية الرئيسية في مختلف الاجتماعات حول التطورات في أفغانستان، والتي يبدو أنها حظيت باهتمام خاص في "صيغة فريق الاتصال الإقليمي"، هو إيجاد سبل للتعامل مع حكومة طالبان باعتبارها قائدة شؤون أفغانستان، لحل مشاكل هذا البلد وتعيين ممثل خاص يتمتع بالصلاحيات اللازمة لتسهيل عقد الاجتماعات الدورية، وبالنظر إلى الوضع الأمني المعقد وتزايد الأنشطة الإرهابية في أفغانستان والقضايا المتعلقة بإنتاج المخدرات في هذا البلد، فإن التنسيق الإقليمي والجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات من جانب بلدان المنطقة يكتسب أهمية خاصة، ولذلك فإن وجهة النظر السائدة في مجموعة الاتصال الإقليمية هي أن حل هذه الأزمات يمكن تحقيقه بالتعامل مع حكومة طالبان، تماماً كما تمت عودة المهاجرين الأفغان من إيران وباكستان بالتعاون مع الحكومة المؤقتة.
ويجمع جيران أفغانستان في هذا الشأن على أنه إذا أريد لمشكلة أفغانستان أن تحل، فإن مستوى التعاون السياسي والاقتصادي مع الحكومة المؤقتة لطالبان ينبغي أن يكون أيضاً أولوية لهذه البلدان حتى تتمكن من التغلب على الأزمات الداخلية في هذا البلد، ولقد كان تعزيز مشاركة أفغانستان في التفاعلات الاقتصادية أحد أهم البرامج الرئيسية لمجموعة الاتصال الإقليمية لحل مشاكل أفغانستان.
ومؤخراً، أعلنت روسيا قرارها رفع حركة طالبان من قائمة الجماعات الإرهابية، كما دعمت عضوية أفغانستان في منظمة شنغهاي للتعاون، أفغانستان حاليا عضو مراقب في شنغهاي، وإذا أصبحت عضوا رسميا في هذه المنظمة الإقليمية، سيتم توفير التفاعل مع الأعضاء الآخرين في المجالات التجارية، وكلما ازدادت التبادلات الاقتصادية بين الدول المجاورة وأفغانستان ازدهارا، كلما زادت السيطرة على التطورات الداخلية في هذا البلد ومراقبتها، ويمكن لأفغانستان أن تلعب دورًا مهمًا في عملية التجارة الإقليمية نظرًا لموقعها الاستراتيجي وحصتها في السوق وخاصة أن موقع أفغانستان على طريق الحرير الصيني الذي يعتبر جسرا بين الشرق والغرب، وإذا تحسنت الأوضاع في أفغانستان ستتم التجارة الإقليمية بسهولة.
وفي السنوات الأخيرة، حاولت إيران توسيع البنية التحتية التجارية مع أفغانستان، ومن خلال استكمال خط سكة حديد خاف-هرات وتطوير ميناء تشابهار، ساعدت أفغانستان على الوصول بسهولة إلى أسواق المنطقة، ومن جانبها، اتخذت الصين خطوات كبيرة لدخول أفغانستان إلى الأسواق العالمية من خلال الاستثمار في موارد الطاقة والمناجم الأفغانية.
لقد كان انغلاق أفغانستان على الساحل أحد أسباب نمو التطرف والإرهاب في هذا البلد، وتشعر الدول المجاورة بالقلق من انتشار انعدام الأمن إلى المنطقة، ولهذا الغرض، تحاول تخفيف عبء التهديدات وانعدام الأمن من خلال ربط هذا البلد بطرق الاتصال الدولية والمياه المفتوحة، وتطوير البنية التحتية والصادرات الأفغانية والمساعدة في تخفيف حدة الفقر في هذا البلد، ويعد ميناء تشابهار وخطوط السكك الحديدية الإيرانية أفضل خيار ممكن لأفغانستان للخروج من هذه الاختناقات التجارية والإقليمية.
أجواء مختلفة بين اجتماع "فريق الاتصال الإقليمي" و"اجتماعات الدوحة"
ومن المسائل المهمة في دراسة طبيعة أهداف وخطط وإجراءات سلسلة اجتماعات "مجموعة الاتصال الإقليمية" هو تحديد موقع هذه المبادرة الإقليمية بالنسبة للعملية الدولية المماثلة لها، وهي منصة "مفاوضات الدوحة"، والتي يمكن القول إنها، بطريقة ما، منافسة لتولي إدارة التطورات الرئيسية في أفغانستان، ورغم أن اجتماع الدوحة يعقد برعاية الأمم المتحدة، إلا أنه تنظمه الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، ورغم أن الولايات المتحدة غادرت أفغانستان بعد عشرين عاماً من الاحتلال، إلا أنها تواصل إدارة التطورات في أفغانستان بما يتماشى مع مصالحها وسياساتها الاستراتيجية الإقليمية، ومع الأخذ في الاعتبار الصراعات الاستراتيجية للنظام الجيوسياسي الإقليمي المنشود للغرب مع مصالح الدول المجاورة لأفغانستان، ولذلك فمن الواضح أن مبادرة مجموعة الاتصال الإقليمية مبنية على وجهة نظر غير متفائلة للأعضاء بشأن نوايا التدخلات من خارج المنطقة بدعوى المساعدة في حل أزمة ومشاكل أفغانستان.
ويهدف الجهد المشترك الذي يبذله المشاركون إلى التوصل إلى الحد الأدنى من الاتفاق في ضوء المخاوف الأمنية التي تساورهم بشأن أفغانستان، وتشعر إيران وروسيا والصين وباكستان بقلق بالغ إزاء عدم الاستقرار السياسي في أفغانستان وانتشار التطرف من هذا البلد إلى المستوى الإقليمي، وقد حاولوا في السنوات الثلاث الماضية حل مشاكل أفغانستان وتحريك المنطقة نحوها من خلال عقد اجتماعات عديدة، بشكل عام، يمكن القول إنه على الرغم من أن طالبان لم تتمكن من تلبية طلب المجتمع الدولي بتشكيل حكومة شاملة، إلا أن الوضع الاقتصادي والأمني في أفغانستان يتطلب تعاونًا دوليًا.
لقد أظهرت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أن الوضع غير الآمن والحرج في أفغانستان ليس مهما بالنسبة لها، كما أن حجب أكثر من 7 مليارات دولار من أصول هذا البلد في البنوك الغربية يؤكد هذه المسألة، وبالتالي فإن المساعدات من الولايات المتحدة وحلفائها، والتي تبعد آلاف الكيلومترات عن حدود أفغانستان البعيدة، أوميد باست، وعلى الرغم من محدودية المساعدات المالية التي أرسلتها الأمم المتحدة، إلا أنها لم تتخذ أي إجراء فعال لحل مشاكل أفغانستان تحت تأثير السياسات الأمريكية، ولذلك فإن دول المنطقة وحكومة الإمارة الإسلامية، يجب أن تحسن مستوى تعاونهما من أجل إنقاذ هذا البلد من الوضع الذي وقع فيه.