الوقت- في خضم الحرب العدوانية على قطاع غزة والتي اعتبرها العديد حرباً على الأطفال، لم يكن مصير الأطفال الاستشهاد أو الجراح الدامية أو حتى فقدان الأطراف فحسب إنما دفنهم تحت الركام واختطاف الآلاف منهم من قبل قوات الجيش الإسرائيلي ما شكل مأساة أخرى تضاف إلى مآسيهم المؤلمة في ظل الحرب الطاحنة التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني.
فيما تشير البيانات الرسمية في غزة والعديد من المنظمات الدولية والأمم المتحدة إلى أن نصيب أطفال غزة هو الأكبر من إجرام كيان الاحتلال الإسرائيلي حيث إنه وبعد مرور 8 أشهر من الإبادة الجماعية بلغ عدد الضحايا من الأطفال 15 ألف طفل سلبت الوحشية الإسرائيلية حياتهم ولكن بالإضافة إلى الأطفال الذين ذهبوا ضحية هذا القتل الممنج وأولئك الذين أصيبوا بإصابات جسدية بالغة كالإعاقة أو قطع أعضاء من أجسادهم النحيلة لايزال عدد كبير منهم مجهول المصير والسؤال المؤلم الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل اختطفهم الجيش الإسرائيلي أم دفنوا تحت الأنقاض؟
هل دفنوا تحت الأنقاض؟
كشفت المقابر الجماعية التي تم اكتشافها مؤخراً بعد انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من مستشفيات غزة، أن بعض الجثث التي خبأها جيش الاحتلال في هذه المقابر تعود لأطفال، وكشفت التحقيقات أن القوات الصهيونية قتلت هؤلاء الأطفال، وقد تم استهدافهم وذبحهم، مع مدنيين آخرين، بشكل متعمد، كما توجد على أجسادهم آثار التعذيب قبل الموت؛ إلى جانب ذلك، تم تقطيع العديد من الجثث، وحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد انفصل أكثر من 17 ألف طفل في غزة عن والديهم أو أحدهم بعد الحرب.
في ظل الحرب الوحشية التي يشنها الكيان الغاصب مدعوماً من الغرب هناك العديد من الآباء الذين فقدوا أطفالهم في ظل مصير مجهول.
يكرر أحمد حماد الأب الفلسطيني البالغ من العمر ثلاثين عاماً، والذي خرج من تحت الأنقاض منذ أكثر من شهرين، السؤال:هل نجوت حقا؟ هذا الرجل الفلسطيني فقد زوجته وأطفاله خلال قصف الكيان الصهيوني على مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، وبعد فترة تم العثور على جثة زوجته واثنين من أبنائه، لكن أحد أبنائه ما زال مفقوداً ولا أخبار عنه، ويقول أحمد حماد إن حزن فقدان زوجته وأولاده مستمر من جهة، وحزن طفلي الآخر هادي، الذي لم يتم العثور على جثته، من جهة أخرى، ولا أعرف حتى بعد تلك الليلة الدامية إذا كان بقي من جسد هادي الصغير أي شيء يمكنني دفنه أم إن جسده تفكك وتدمر بالكامل بسبب شدة الانفجار، و يعتبر هادي ذو الخمس سنوات واحد من آلاف الأطفال الذين فقدوا في غزة ويواجهون مصيراً مجهولاً فإما قد اختطفهم جيش الاحتلال أو دفنتهم الأنقاض.
أم خُطفوا؟
قتل الاحتلال الصهيوني منذ بدء عدوانه على غزة ما يزيد على خمسة عشرة طفلا كما خلّفت اعتداءاته الوحشية المستمرة إصابات وإعاقات في صفوف الآلاف، بالإضافة إلى تشريد وتجويع أعداد مضاعفة، وحرمانها من أبسط سبل الحياة المستقرة.
لكن الجريمة التي تضيع في وسط جرائم هذا الكيان الإرهابي، هي اختطاف الأطفال أحياء وأموات، فالاستعمار الصهيوني لا يكتفي بقتلهم، بل أيضًا يحتجز جثامينهم، وهي ظاهرة خبيثة، تزامنت مع صدور تقارير تفيد بأن الاحتلال يقوم بسرقة أعضاء الشهداء.
من الجدير بالذكر أن فرضية الاختطاف لم تأت من العدم ففي مطلع العام الجاري، صرّح جندي صهيوني لأصدقائه بأنه اختطف طفلة رضيعة في غزة بعد قتل ذويها.
قُتل هذا الجندي لاحقًا في معارك ضد المقاومة، فيما بقي مصير الطفلة مجهولًا، وفي مقابلاتٍ مع أصدقاء الجندي في وسائل الإعلام الصهيونية، أكدوا أنه أخذ الرضيعة إلى الداخل الفلسطيني المحتل، وبعد تصاعد الحملات المطالبة بالكشف عن مصيرها، دأب الاحتلال على تضليله الإعلامي عبر ترويج خديعة إنقاذ حياتها.
وهنا، يجاهر الكيان الصهيوني مجدداً بنفاقه، ويفضح نفسه كقاتل سادي، إذ كيف لمن قتل والديّ هذه الرضيعة أن ينقذها، وكيف للقاتل الهمجي أن يكون رحيمًا بضحيته؟ وكيف سينقذها من مصيرٍ هو المسبّب له، وكيف سيرعاها وهو من حرمها من والديها بقتلهما؟ وكيف سيقدم لها حياةً كريمة، وهو الذي يسلب ويسرق حيوات شعبها وأرضها وعائلاتها.
ظاهرة اختطاف الأطفال الرضّع بعد قتل عائلاتهم في غزة، تنبئ بكارثةٍ إنسانيةٍ خطيرة، فلا نعلم عددهم بالضبط، ولا أين يوجدون، وهل لا يزالون على قيد الحياة؟ أم إن هناك مخطّط شرٍّ آخر لمحو الوجود الفلسطيني عبر اختطاف الأطفال من حاضنتهم الاجتماعية، ومحو هويتهم؟ حيث أعرب المرصد عن خشيته وقلقه البالغ بألا تكون حادثة الرضيعة حالة منفردة، لافتاً إلى أن شهادات كان قد تلقاها أشارت إلى احتجاز ونقل أطفال فلسطينيين دون معرفة مصيرهم لاحقاً.
وكان العديد من روّاد وسائل التواصل الاجتماعي قد تداول مخاوف توجّه الاحتلال نحو الاختطاف القسري، كوسيلةٍ لمحو الوجود الفلسطيني، إذ سبق أن عبّر الكيان الصهيوني عن خوفه من أن القضية تولد مع الأطفال وذلك ما يشكّل عثرةً بالنسبة له في محو فلسطين كأرضٍ وهويةٍ ونضال.