الوقت- في إطار تنفيذ قانون "مكافحة الأعمال العدائية التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد السلام والأمن" الذي أقره مجلس الشورى الإسلامي (عام 2020)، قامت وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الايرانية، وفقا لقرارات السلطات المختصة، في إطار القواعد القانونية وآليات العقوبات ذات الصلة، وكإجراء متبادل، بفرض عقوبات على عدد من الكيانات والأفراد البريطانيين والأمريكيين بسبب إجراءاتهم المتعمدة في دعم وتسهيل ممارسات الكيان الصهيوني، بما في ذلك ارتكاب أعمال إرهابية ضد السلام والأمن الإقليميين والدوليين، والانتهاكات المنظمة (المنهجية) لحقوق الإنسان، والمشاركة في الإبادة الجماعية في غزة وإشعال الحرب، واستخدام الأسلحة الثقيلة والأسلحة المحظورة ضد المدنيين، وفرض الحصار البشري، وتشريد الشعب الفلسطيني، وبناء المستوطنات غير القانونية، واستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية.
من جهة أخرى، طالبت قمة منظمة التعاون الإسلامي، في بيانها الختامي الذي أطلقت عليه "إعلان بانجول"، الدول الأعضاء في المنظمة بـ"ممارسة ضغوط دبلوماسية وسياسية وقانونية وفرض عقوبات على جميع المستويات الاقتصادية والرياضية والثقافية والدولية" ضد "إسرائيل".
في حين يعطي الموقف الأمريكي والأوروبي الكيان الصهيوني رخصة للقتل والإبادة تجاه ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن أضعف الإيمان أن تقوم الدول وخاصة العربية والإسلامية باتخاذ سلسلة من العقوبات ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي وعنف المستوطنين، منها حظر استيراد وتصدير المنتجات من المستوطنات بشكل فوري وإنهاء أي تعاقدات اقتصادية واستدعاء السفراء (الصهاينة) لاستجوابهم حول هذا العنف غير المسبوق من قبل الحكومة التي تمثلهم.
مطالبات بفرض عقوبات
في سياق متصل كانت قد دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على الكيان الصهيوني لعدم امتثاله لأمر محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات احترازية في قطاع غزة لمنع حدوث "إبادة جماعية"، وذكرت المنظمة أن على الدول فرض عقوبات موجهة وحظر تسليح على الكيان الصهيوني ليمتثل للأمر الصادر عن محكمة العدل الدولية.
وأوضحت المنظمة أن الكيان الصهيوني "لم يمتثل لأوامر المحكمة ولم يعمل على إيصال المساعدات والخدمات الأساسية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة"، وكانت محكمة العدل الدولية قد طلبت عدة مرات من الكيان الصهيوني اتخاذ جميع التدابير لمنع أي أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية، وضمان عدم قيام قوات الاحتلال الصهيوني بأي أعمال إبادة ومنع أي تصريحات أو تعليقات عامة يمكن أن تحرض على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، وطالبته باتخاذ جميع الإجراءات لضمان وصول المساعدات الإنسانية وعدم التخلص من أي دليل يمكن أن يستخدم في القضية المرفوعة ضده، إلا أن الكيان الغاصب لم يستجب لأي من هذه المطالبات.
ازدواجية معايير
في الوقت الذي نرى فيه الاستجابة السريعة من قبل الاتحاد الأوروبي للرغبة الأمريكية في فرض جميع أنواع العقوبات الاقتصادية على دول مثل إيران لمجرد أنها استخدمت حقها في الدفاع عن نفسها ضد العدوان السافر للكيان الصهيوني، في الطرف المقابل يكون رد فعل الاتحاد على مواصلة الكيان الصهيوني ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين من خلال جرائم الحرب والهجمات الصاروخية وتجويع الشعب الفلسطيني، ليس في المستوى المطلوب بل هو كلام فارغ لا أكثر.
في السياق ذاته، تباينت مواقف المسؤولين الأمريكيين بخصوص استهداف المستشفيات والبنية التحتية والمدنيين والصحفيين خلال الحرب الروسية الأوكرانية والهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة.
ففي حين لا يتردد مسؤولو الحكومة الأمريكية في توجيه الاتهامات لروسيا وإدانتها ومحاصرتها بفرض عقوبات قاسية عليها بسبب الحرب في أوكرانيا، إلا أنهم يتخذون موقفا معاكسا فيما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية على غزة، ويدلي المسؤولون الأمريكيون بتصريحات توحي ضمنيا بأنهم يرون الهجمات الإسرائيلية "أعمالا مشروعة"، ودون إدانتها على الإطلاق.
على سبيل المثال ورغم أن عدد الضحايا المدنيين في قصف "إسرائيل" لمستشفى "المعمداني" في غزة كان أكبر بكثير من خسائر استهداف روسيا لمستشفى "التوليد" في ماريوبول الأوكرانية في الـ 9 من مايو/ أيار 2022، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تظهر رد الفعل القاسي نفسه تجاه تل أبيب بعكس ما قامت به ضد روسيا، بل تهربت من تحميل كيان الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية القصف.
وفي تعليقه على استهداف المستشفى في ماريوبول، قال الرئيس جو بايدن: إن "هذا ظلم، وعار على العالم بأسره، فالعالم كله متحد من أجل دعم أوكرانيا وجعل (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يدفع ثمنا باهظا"، بالمقابل، قال بايدن بشأن الهجوم الإسرائيلي على مستشفى المعمداني بغزة: "حزنت كثيرا على الانفجار في المستشفى، وغضبت كثيرا، وحسب ما رأيت فإن المسؤول عن ذلك لستم أنتم (إسرائيل) وإنما الطرف الأخر"، محاولا تبرئة "إسرائيل" رغم عدم امتلاكه أي دليل يثبت ذلك.
كما وصف بايدن ما حدث في أوكرانيا بأنه "إبادة جماعية"، بينما ترك الصحفيين عند سؤاله بشأن جرائم كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ختام القول
نحو 34683 شهيداً وعشرات الآلاف من الجرحى والمئات من المجازر، من سيحاسب الكيان؟ هذا السؤال الذي يطرح نفسه أمام كل شهيد وضحية تقع يومياً في غزة، إن هذه الأرقام الفظيعة تعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني على مدار سنوات طويلة، ومن المؤسف أن الكيان الصهيوني لم يُحاسب على هذه الجرائم، بل استمر في ارتكابها، ما يثير أسئلة حول معايير العدالة الدولية، أما عن الأطراف التي يجب أن تحاسب الكيان الصهيوني على جرائمه، فهي المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة ومسؤوليتها الضغط على الكيان الصهيوني لوقف جرائمه ومحاسبة مرتكبيها، والنظام القانوني الدولي إذ يمكن للشعب الفلسطيني اللجوء إلى النظام القانوني الدولي لملاحقة مرتكبي الجرائم الصهيونية كالمحكمة الجنائية الدولية، وأهم هذه الجهات هي الشعب الفلسطيني ومواصلة مقاومته ضد الاحتلال الصهيوني، حتى يتم تحقيق العدالة لضحايا جرائمه، وأيضاً من أهم الخطوات التي يمكن اتخاذها لمحاسبة الكيان الصهيوني؛ فرض عقوبات على الكيان الصهيوني، إذ يمكن للمجتمع الدولي فرض عقوبات على الكيان الصهيوني، مثل العقوبات الاقتصادية والسياسية، لردعه عن ارتكاب المزيد من الجرائم.