الوقت- تشير تقارير وتقديرات سياسية وحقوقية إلى أن الكيان الصهيوني تلقى رسائل حول احتمال إصدار مذكرة اعتقال من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بحق مسؤولين كبار في هذا الكيان، ومن بينهم بنيامين نتنياهو، الأمر الذي أثار قلق تل أبيب تماما.
وبالإضافة إلى نتنياهو، فإن مسؤولين صهاينة آخرين مثل يوآف غالانت، وزير الحرب، وهيرتسي هاليفي، رئيس أركان جيش الكيان، مدرجون أيضًا على قائمة الأشخاص الذين قد يخضعون لمذكرات اعتقال.
وبما أن القضية يتم النظر فيها بجدية من قبل محكمة لاهاي، كشف موقع أكسيوس أن نتنياهو طلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن المساعدة في منع المحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكرة اعتقال بحق كبار مسؤولي الكيان، وأعلن موقع "أكسيوس" أن نتنياهو طلب منع صدور مراسيم تستهدفه أو تستهدف وزير الحرب في حكومته أو رئيس الأركان العامة في جيش هذا الكيان.
وأعلن موقع "أكسيوس" أن أعضاء في الكونغرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حذروا محكمة لاهاي من إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين صهاينة، وهددوها بأن مثل هذا الإجراء سيقابل برد أمريكي، وقد أعربت الولايات المتحدة بوضوح عن معارضتها للتحقيق الذي تجريه هذه المحكمة في سلوك الكيان الصهيوني في قطاع غزة، وفي هذا الصدد، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير: إن "موقف واشنطن من التحقيق في محكمة لاهاي واضح تماما، ونحن لا نوافق عليه ولا نعتقد أن هذا التحقيق يقع ضمن اختصاصها".
ويقال إن قضاة المحكمة الجنائية الدولية رفضوا التعليق على مسألة مذكرة اعتقال نتنياهو عقب التهديد الأمريكي، وفي الـ26 من كانون الثاني/يناير الماضي، وفي أعقاب شكوى جنوب أفريقيا بشأن الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، طلبت محكمة العدل الدولية من هذا الكيان اتخاذ تدابير لمنع الإبادة الجماعية في غزة ووقف التحريض المباشر على ارتكاب مثل هذه الجريمة.
نتنياهو، الذي يتعرض لضغوط داخلية ودولية هذه الأيام، يخشى بشدة من حكم محكمة لاهاي، ولهذا السبب تواصل مع الغربيين لمنع قضاة لاهاي من إصدار حكم جنائي، وقال في بيان: "تحت قيادتي، لن تقبل إسرائيل أي محاولة من جانب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لتقويض حقها الأساسي في الدفاع عن النفس، وقرارات هذه المحكمة لن تؤثر على تصرفات إسرائيل، لكنها ستشكل سابقة خطيرة تهدد الجنود والشخصيات العامة".
خوف نتنياهو من الاعتقال
ورغم خطاب نتنياهو الذي يزعم أن حكم المحكمة لن يؤثر على سياسات تل أبيب، إلا أن طلب المساعدة من البيت الأبيض لمنع صدور الحكم في محكمة لاهاي يظهر أن حكومة نتنياهو خائفة وقلقة للغاية بشأن العملية القضائية لحرب غزة.
ومن الناحية القانونية، فإن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو تعني أن الدول الـ 124 التي وقعت على القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ستكون ملزمة باعتقال رئيس وزراء "إسرائيل" وتسليمه إلى المحكمة، إذا دخل المتهم أراضي هذه الدول، وهذا يعني أن زعماء تل أبيب لا يمكنهم السفر إلى دول أخرى، إلا إلى الدول التي وعدت مسبقاً بعدم اعتقالهم. وكتبت صحيفة يديعوت أحرونوت عن ذلك: "ستكون هذه ضربة قاضية لنتنياهو الذي يعتبر نفسه رجل دولة يحب السفر حول العالم، حيث إن مذكرة الاعتقال هذه ستبقيه في إسرائيل حتى إشعار آخر، حتى بعد مغادرته مكتب رئيس الوزراء".
وفي حال صدور هذا الحكم، فستتم إضافة نتنياهو إلى قائمة المجرمين الذين سبق أن صدرت بحقهم أحكام مماثلة، ومن بينهم، يمكننا أن نذكر عمر البشير، الرئيس السوداني السابق، وجوزيف كيني، القائد السابق للجيش الأوغندي.
ورغم أن "إسرائيل" ليست عضوا في محكمة لاهاي ولا تعترف باختصاصها، فقد تم قبول فلسطين كدولة عضو في هذه المحكمة عام 2015، ويتعين على الأعضاء الآخرين في المحكمة الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو في حال صدور حكم ضده كأحد مجرمي الحرب وتسليمه للجهات المختصة.
وفي هذا الصدد، قال كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام البريطاني: إن مكتبه له ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة في الحرب الحالية بين "إسرائيل" والجماعات المسلحة الفلسطينية ويغطي الأعمال غير القانونية لجميع الأطراف.
عواقب أخرى لإعلان الحكم الجنائي ضد السلطات الصهيونية
وحسب الخبراء، فإن تبعات صدور حكم محكمة العدل الدولية في لاهاي لا تقتصر على محاكمة المتهمين فحسب، بل سيكون لها أبعاد أكثر، فمن ناحية، قد يكون لاحتمال إصدار الحكم تأثير على الدعم الغربي للكيان الصهيوني، وفي هذا الصدد، يحذر خبراء قانونيون صهاينة من آثار الحكم في خلق قيود أخرى، مثل حظر بيع الأسلحة لـ"إسرائيل" وغيرها من العقوبات الاقتصادية، ولذلك فقد أعلنت وسائل الإعلام الصهيونية أن وزارة العدل في الكيان الصهيوني تحاول منع صدور هذا الحكم.
ويرى روي شندروف، النائب السابق للمستشار القانوني لـ"إسرائيل" في هذا الصدد، أن "إصدار مذكرة اعتقال يمكن أن يكون دليلا كافيا لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب"، ومن شأن هذه القضية أن تزيد من تشويه صورة وكرامة الصهاينة في العالم وتؤدي إلى مزيد من عزلة هذا الكيان في النظام الدولي، وتشعر السلطات في تل أبيب بالقلق من أنه بسبب الصراعات المستمرة مع فصائل المقاومة الفلسطينية في السنوات المقبلة، فإن إصدار الحكم في الوضع الحالي سيوفر الأساس لإصدار أحكام مستقبلية ضد سلطات هذا الكيان في "إسرائيل" مستقبلاً.
ويشعر قادة تل أبيب بالقلق من أنه مع الحكم ضد نتنياهو والجيش الإسرائيلي، سينتشر غضب الرأي العام العالمي وستضطر الحكومات إلى الامتثال لحكم المحكمة في لاهاي.
وفي الأسابيع الأخيرة، زادت انتفاضة الطلاب في جميع أنحاء العالم من قلق الصهاينة وخوفهم من هذه الموجة غير المسبوقة، وستسبب هذه القضية مشاكل خطيرة لسلطات الاحتلال للسفر إلى مناطق أخرى في المستقبل.
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "يسرائيل هوم" أن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمر سفارات هذا الكيان وبعثاته الدبلوماسية في الخارج باتخاذ الاستعدادات اللازمة للتعامل مع انتشار الاحتجاجات العالمية ضد سلوك الكيان الصهيوني في حال صدور هذا الحكم على نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي".
وإذا أمرت المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وبعض المسؤولين الصهاينة بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، فسيكون ذلك بمثابة ضربة قوية للكيان، وسوف تهز الحكومة المتشددة في تل أبيب مثل الزلزال.
ومن ناحية أخرى، فإن إصدار الأحكام ضد قيادات المجرمين الصهاينة له عواقب سياسية سلبية على الحكومة الأمريكية، التي اعتبرت خلال الأشهر السبعة الماضية شريكا ومتهما من الدرجة الثانية من خلال دعم كيان الاحتلال بقوة في قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، حذّر مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأمريكي، الإثنين: "إذا لم تتدخل إدارة بايدن، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تحصل على الكثير من السلطة للأمر باعتقال القادة السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين"، وفي الوقت نفسه، يجري إعداد خطة بمبادرة من السيناتور توم كوتون لمعاقبة مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في هذا التحقيق.
وما لا شك فيه أن هذه المواقف الاستفزازية والتسلطية للسلطات الأمريكية أمام القوانين الدولية، لن تنقذ الكيان الصهيوني، وخاصة نتنياهو، من المستنقع الذي يغرق فيه فحسب، بل لن تؤدي إلا إلى جعل الحكومة الأمريكية مكروهة أكثر وأكثر على المستوى الدولي وستشتد الاحتجاجات الداخلية وسيصبح الوضع أكثر خطورة.