الوقت - حسب ما نقلته وسائل الإعلام الرسمية البحرينية، أصدر ملك البلاد، الإثنين، مرسوماً ملكياً بالعفو عن 1584 سجيناً أدينوا بتهم جنائية و"قضايا تمرد".
ويأتي هذا العفو، الذي سمي بأكبر عفو جماعي في السنوات الأخيرة، بمناسبة حلول ذكرى تولي حمد بن عيسى آل خليفة العرش، وهو ما يسمى اليوبيل الفضي، ويذكر أن حمد بن عيسى آل خليفة تولى السلطة قبل 25 عاماً في الـ 6 من مارس 1999.
لم يحدَّد في النص الذي نشرته وسائل الإعلام البحرينية، ما إذا كان العفو الملكي يشمل السجناء السياسيين أم لا، لكن بالنظر إلى ذكر سجناء قضايا الشغب، وهو ما يشير إليه النظام لأولئك الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات المدنية والسياسية في السنوات التي تلت ثورة 2011، فمن المرجح أن يكون بعض المعفو عنهم من السجناء السياسيين.
وفي هذا الصدد، أعلن معهد البحرين للقانون والديمقراطية، ومقره بريطانيا، أنه من المحتمل أن يكون بعضهم من بين المفرج عنهم، وقال مدير المعهد سيد أحمد الوداعي: إن الأمر الملكي الأخير "يشمل السجناء السياسيين، لأن مصطلح التمرد يشير إلى أولئك الذين يريدون التغيير السياسي".
وسبق أن أصدر نظام آل خليفة عفواً مشروطاً عن بعض السجناء الآخرين، وفقاً لقانون العقوبات البديلة لعام 2017، وبموجبه، يُسمح للسجناء الذين قضوا نصف مدة عقوبتهم على الأقل، بقضاء ما تبقى من عقوبتهم خارج السجن، من خلال تدابير مثل الخدمات الاجتماعية ودورات إعادة التأهيل والمراقبة الإلكترونية.
كما أعلن مركز الاتصال الوطني في بيان له، أن عدداً كبيراً من المفرج عنهم كانوا مدانين في الأصل بجرائم عنف أو جرائم تتعلق بالإخلال بالنظام العام، وقال مسؤول حكومي لم يذكر اسمه لرويترز: إن نحو 65 بالمئة من المفرج عنهم أدينوا بتهم تتعلق بأعمال الشغب.
وحسب إعلان منظمة "مركز الاتصال الوطني" غير الحكومية، فإن نحو 6500 سجين في البحرين استفادوا من هذا القانون للإفراج عنهم من السجون، منذ إقرار قانون العقوبات البديلة عام 2017.
وفي أعقاب جائحة كوفيد-19 2020، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أنها أفرجت عن 1486 سجينًا، حصل 901 منهم على عفو ملكي "لأسباب إنسانية".
على الرغم من أن العفو الملكي البحريني الجديد لاقى ترحيباً فورياً من قبل السفارة الأمريكية في المنامة، وفي بيان نشرته على حسابها الرسمي على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقاً)، أشادت بهذه الخطوة واعتبرتها علامةً على "التزام الملك بمستقبل مزدهر لجميع البحرينيين"، ولكن النظام الملكي في البحرين تعرض دائماً لانتقادات من قبل المنظمات الدولية في السنوات الماضية، بسبب انتهاكه الممنهج لحقوق الإنسان ومعارضته لحرية التعبير، وسجن آلاف المنتقدين من عامة الناس إلى النخب السياسية.
وحسب الإحصائيات، فإن البحرين لديها أكبر عدد من السجناء السياسيين بين الدول العربية، وأعلن مركز البحرين لحقوق الإنسان في سبتمبر 2022، أن البلاد أصبحت أول دولة عربية لديها أكبر عدد من السجناء السياسيين في السنوات الأخيرة، حيث يعيش حوالي 4500 سجين في ظروف يرثى لها في سجون آل خليفة.
آل خليفة وتحدي الشرعية
عندما وصل حمد بن عيسى آل خليفة إلى السلطة في عام 1999، عمل على اكتساب قاعدة شعبية وتأمين السلطة السياسية لعائلة آل خليفة السنية، التي تحكم سكان البحرين ذات الأغلبية الشيعية، من خلال إعلان تعديلات الدستور والميثاق الوطني عام 2001، وتحويل النظام السياسي إلى ملكية دستورية.
لكن إنشاء النظام الانتخابي لم يؤد فقط إلى تناوب النخب ودخول الشيعة إلى مناصب سياسية عليا، بل حتى القصر الملكي استمر في إحكام قبضته على السلطة أمام ممثلي الشعب في البرلمان، وتسبب عدم توزيع السلطة واستمرار السياسات التمييزية ضد الشيعة، في خروج أهل هذا البلد إلى الشوارع للمطالبة بحقوقهم، مع تشكيل موجة الصحوة الإسلامية في العالم العربي.
الآن أيضاً، على الرغم من أن حكومة آل خليفة تسعى من خلال إصدار مراسيم العفو، إلى الحد من الانتقادات الأجنبية لوضعها السياسي الداخلي المنغلق للغاية، والسياسات القمعية في أعقاب الاحتجاجات السلمية في عام 2011 من ناحية، ومن ناحية أخرى، تحاول تقليص الفجوة المتنامية بين الحكومة والشعب من خلال إعادة بناء أسس الشرعية المفقودة للنظام السياسي، ولكن سنوات من تنفيذ السياسات القمعية والحكم على آلاف المنتقدين والمتظاهرين والناشطين السياسيين والاجتماعيين بالسجون الطويلة والنفي خارج البلاد في محاكم تعسفية وغير عادلة، أدت إلى إذکاء عدم الثقة العامة المتزايدة في إرادة الحكام في تنفيذ إصلاحات حقيقية وإجراء تغييرات جدية على الممارسات السابقة، کما أدت تدريجياً إلى تطرف الاستياء وعدم الرضا من "الاعتراض داخل إطار النظام" إلى "الاعتراض على النظام".
ومنذ قمع الاحتجاجات عام 2011، لم يقتصر الأمر على أن نظام آل خليفة لم يستسلم للإصلاحات التي أرادها شعب البحرين، بل حتى التيارات السياسية المنتقدة التي كانت تعمل في إطار الدستور، تم حظرها في الغالب وتم اعتقال وسجن قادتها، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك الشيخ علي سلمان، زعيم جمعية الوفاق، أكبر حزب في البحرين، الذي حكم عليه بالسجن المؤبد.
ومن المظاهر الملموسة لاستمرار الاستياء الوطني من الحكومة، وعدم ثقة الشعب بوعود الإصلاحات التي أطلقها الحكام، هي مقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية في نوفمبر 2022، والتي أجريت بشكل ضعيف بسبب غياب الحريات السياسية.
ولذلك، بالنظر إلى حالة عدم الثقة والفجوة بين الشعب ونظام آل خليفة، يبدو أن رغبة الحكومة في تقليص هذه الفجوة تتطلب إصلاحات جوهرية وحقيقية، إلى جانب إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وإجراء انتخابات حرة بحضور أحزاب المعارضة، والإجراءات الشکلية لن تجدي نفعاً.