الوقت - مع وقوع عملية طوفان الأقصى، تأثر الوضع ومعادلات القوة داخل الأراضي المحتلة بشكل فوري، وشكلت الأطياف السياسية المتنافسة، من اليمين المتطرف إلى المعتدلين واليساريين، حكومة حرب في شكل ائتلاف كبير، من أجل إظهار التوافق الداخلي والوحدة للدفاع عن المصالح الوطنية ضد العدو المهاجم، وبسبب ضغط الرأي العام على النخب السياسية لوضع الخلافات الوطنية جانباً، وإعطاء الأولوية للانتقام وإطلاق سراح الأسرى الصهاينة.
وبعد خمسة أيام من إطلاق حماس عملية طوفان الأقصى في الـ 7 من أكتوبر 2023، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم المعارضة بيني غانتس حالة الطوارئ الوطنية، وبموجب هذا الاتفاق، انضم خمسة من أعضاء معسكر الوحدة الوطنية الذي يتزعمه غانتس إلى الحكومة دون الحصول على مناصب وزارية، وشكلوا حكومةً بمجموع 38 وزيراً، وهي أكبر حكومة في تاريخ الکيان الإسرائيلي.
وفي اليوم التالي، صادق الكنيست على اتفاق يقضي بتوسيع المجلس الوزاري المصغر ليشمل أعضاء حزب الوحدة الوطنية بقيادة غانتس، وغادي أيزنكوت، وجدعون ساعر، وهيلي تروبر، ويفعاط ساشا بيتون، ليبلغ عدد المشاركين في اجتماعات مجلس الوزراء الأمني في المتوسط 35 إلى 40 شخصاً، ويضم بالإضافة إلى الوزراء رئيس أركان الجيش ورئيس الأمن القومي والقادة الأمنيين (النائب العسكري لرئيس الوزراء والقادة العسكريين).
والنقطة المهمة هي أن هذا الإجماع غير المسبوق، بدلاً من تمثيل الوحدة الوطنية والتضامن باعتبارهما الحلقة المفقودة في المشهد السياسي في الأراضي المحتلة، كان بمثابة إجراء نحو توطيد شامل لقوة الکيان الإسرائيلي، للرد والقضاء على مصدر أكبر ضربة أمنية وعسكرية وُجّهت للأسس التي تحفظ بقاءه منذ تأسيسه.
وفي الواقع، ومع أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار، فمن الممكن أن نزعم أن مشهد حرب غزة كان بمثابة استعراض كامل للقوة العسكرية الإسرائيلية، حيث حشد هذا الکيان منذ ما يقرب من ستة أشهر كل طاقاته الفاعلة والمحتملة لكسب هذه المعركة، وأصبحت كل شؤون الحكم في الأراضي المحتلة في حكومة الحرب، تحت تأثير المشروع العسكري في غزة.
ومع ذلك، مع اقتراب الشهر السادس منذ بداية الغزو الوحشي لغزة، لم تفشل حكومة الحرب في تحقيق أهدافها الأولية فحسب، بل أصبحت التصدعات في جسدها أكثر وضوحاً يوماً بعد يوم، وظهرت علامات الانهيار.
حيث لم تحقق حكومة الحرب أهدافها العسكرية بعد، وربما تخشى هزيمةً ثانيةً، وخاصةً أنه بالإضافة إلى الخلافات السياسية في الحكومة، فإن انعدام الثقة والفجوة بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية آخذة في التعمق، بحيث تساور المؤسسة العسكرية شكوك حول كيفية قيادة نتنياهو للحرب، لأن رئيس الوزراء جعل من الحملة العسكرية وسيلةً للبقاء في السلطة ومنع الحكومة من الانهيار، ومن ناحية أخرى، فإن السؤال حول من يتحمل المسؤولية عن الفشل الاستخباراتي والأمني غير المسبوق بأبعاد تاريخية في السابع من أكتوبر، يثير المزيد من الخلافات.
يحاول نتنياهو إلقاء اللوم في أحداث السابع من أكتوبر على المؤسسات العسكرية والأمنية، وخاصةً هاليفي وغالانت، ولذلك، يريد نتنياهو وبقية أتباعه تأجيل أي نقاش أو صراع داخلي إلى ما بعد الحرب.
ونتيجةً لهذا الوضع، يمكننا أن نرى أنه على عكس إظهار الوحدة الذي كان الکيان يسعى إليه من تشكيل حكومة الحرب، هناك هجمات شاملة، وخاصةً من قبل الجيش، ضد نتنياهو، الذين يلومونه على الإخفاقات قبل الهجوم وبعده، ويطالبون باستقالته.
وفي الآونة الأخيرة، غذت قضايا أخرى هذه الانقسامات أيضًا، حيث يتضمن قانون الخدمة العسكرية الجديد الذي أرسله ائتلاف اليمين إلى البرلمان، القضية المثيرة للجدل المتمثلة في تمديد إعفاء اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية، وخفض سن الاحتياط لهؤلاء الأشخاص.
ووفقاً لقانون الخدمة العسكرية الإسرائيلي، يُعفى الرجال الحريديم من الخدمة العسكرية مقابل دراسة العلوم الدينية، وهذا القانون التمييزي أوصل الصراع بين يوآف غالانت وبنيامين نتنياهو إلى ذروته، حسب صحيفة معاريف، أمر وزير الحرب أعضاء مكتبه بوقف التعاون مع مكتب رئيس الوزراء لتطبيق هذا القانون.
في هذه الأثناء، شكلت استقالة جدعون ساعر، رئيس حزب الأمل الجديد، من الحكومة الائتلافية بسبب عدم موافقة بيني غانتس على عضويته في مجلس الحرب، ضربةً قويةً ألقت بظلالها على استقرار الحكومة الائتلافية الكبرى، لأنه من المتوقع أن يزيد ساعر من انتقاداته لحكومة الحرب بعد ترك الحكومة، الأمر الذي قد يشجع أيضًا وزراء اليمين المتطرف غير الراضين عن الحكومة على زيادة انتقاداتهم.
يصر الوزراء اليمينيون المتطرفون، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، على مواصلة الحرب لتدمير حماس بالكامل، حتى لو كان ذلك يعني عدم إطلاق سراح الأسری بأمان، ومن المؤكد أن هذا الاضطراب السياسي سيزيد من الانقسام في مجلس الوزراء، وكشفت هزيمة حكومة الکيان الحربية أمام مقاومة غزة، عن الثقل الحقيقي ونوعية قوتها العسكرية بشكل كامل.