الوقت- بعد عدة جولات من الهجمات الأمريكية والبريطانية على مواقع في اليمن ووضع أنصار الله على قائمة الجماعات الإرهابية الأمريكية، دعت روسيا قيادات أنصار الله إلى موسكو لبحث التطورات المتوترة في المنطقة.
أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف استقبل، الخميس، وفد أنصار الله برئاسة محمد عبد السلام، وبناء على هذا البيان، تحدث الجانبان عن الحل الشامل للأزمة العسكرية والسياسية في اليمن، وأكدا على أهمية زيادة الجهود الدولية لتوفير الظروف الفورية لإجراء مفاوضات موسعة بين اليمنيين تحت إشراف الأمم المتحدة.
كما جاء في بيان وزارة الخارجية الروسية: أنهم ناقشوا أيضًا الأحداث الكارثية التي تشهدها المنطقة وخاصة الوضع في فلسطين وتدهور الوضع في البحر الأحمر، وأدان الجانبان الهجمات الصاروخية الأمريكية والبريطانية على اليمن، الأمر الذي يزعزع استقرار المنطقة، وجرى خلال هذا اللقاء مناقشة آخر تطورات المفاوضات والمباحثات مع المملكة العربية السعودية بوساطة عمانية بشأن تطورات العملية السياسية في اليمن.
كما كتب عبد السلام على صفحته في تويتر: "بحث الجانبان ضرورة تكثيف الجهود الدولية للضغط على أمريكا و"إسرائيل" لوقف الجرائم في غزة، وأضاف عبدالسلام: "لقد تم تحديد موقف اليمن الداعم لغزة والعدوان الأمريكي البريطاني الذي تتعرض له من أجل حماية إسرائيل"، وتابع: "من الأفضل للولايات المتحدة أن توقف العدوان على قطاع غزة وأن تدخل المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، بدلاً من جر البحر الأحمر نحو العسكرة".
روسيا تعارض المغامرة الأمريكية في البحر الأحمر
وتأتي زيارة وفد "أنصار الله" إلى موسكو في إطار متابعة حرب الكيان الصهيوني على غزة، حيث استهدف الجيش اليمني سفن الكيان الصهيوني والسفن التي تتجه إلى الأراضي المحتلة، وحاولت الولايات المتحدة على إثرها تشكيل تحالف بحري دولي لمحاصرة السفن التابعة للكيان الصهيوني، والتصدي للعمليات اليمنية وإنشاء مظلة أمنية للتجارة البحرية للكيان الصهيوني، وبعد الفشل في تشكيل مثل هذا التحالف، نفذ البيت الأبيض، برفقة المملكة المتحدة، عدة هجمات على الأراضي اليمنية خلال الأسبوعين الماضيين بحجة طرح قرار لمجلس الأمن.
ولقد تمت الموافقة على قرار مجلس الأمن الأخير بشأن التطورات في البحر الأحمر، والذي أدان العمليات البحرية لأنصار الله، مع امتناع روسيا والصين عن التصويت، لكن مسؤولي الكرملين غاضبون من إساءة واشنطن استخدام أحكام هذا القرار لأغراضها السياسية الخاصة، وطالبت روسيا بعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن واتهمت لندن وواشنطن بتصعيد التوتر.
وأعلنت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية قبل أسبوعين أن الهجوم على اليمن هو مثال آخر على تحريف الأنجلوسكسونية لقرارات مجلس الأمن وتجاهل القانون الدولي من أجل تصعيد الوضع في المنطقة لتحقيق الأهداف المدمرة، وفي رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن، أدان فاسيلي نيبينزيا سفير روسيا لدى الأمم المتحدة الهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن واعتبرها انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة.
ويعلم الروس أن المغامرة الأمريكية في البحر الأحمر قد توسع نطاق الحرب وهذا أمر خطير على التجارة الدولية والشحن، لذلك يحاولون إرسال هذه الرسالة إلى الغرب من خلال التقرب من أنصار الله بأنهم لا ينسجمون مع سياسات واشنطن في المنطقة، وتأتي زيارة وفد أنصار الله إلى موسكو في الوقت الذي أسقط فيه الجيش الأوكراني طائرة نقل روسية يُزعم أنها تقل مدنيين وسجناء أوكرانيين، وانتقد مسؤولو الكرملين صمت الغرب بشأن هذه المسألة.
وتعلم روسيا جيداً أن دعم التحركات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر سيؤدي إلى مزيد من التوتر في المنطقة وسيطغى على التجارة الروسية مع الدول العربية، و من ناحية أخرى، منذ بدء الحرب في أوكرانيا، قال قادة الكرملين دائما إن السبب الرئيسي لهذه الأزمة العالمية هو أمريكا وأوروبا، وإذا أرادوا ذلك، يمكنهم إنهاء الحرب في أوكرانيا في غضون ثلاثة أيام، ولكن الغربيين، ومن أجل تحقيق هدفهم المتمثل في إضعاف وهزيمة روسيا، قالوا إنهم سيواصلون الحرب إلى أجل غير مسمى، ولذلك، تريد روسيا استغلال هذه الفرصة لمعاقبة خصمها من خلال التقرب من أنصار الله، الذي يضع قدمه حالياً تحت حلق الغرب والكيان الصهيوني.
ولذلك، هناك احتمال أن تستخدم روسيا خيار أنصار الله لتسجيل نقاط في أوكرانيا وضرب هدفين بدبلوماسيتها النشطة، سواء من خلال إجبار الغرب على إنهاء الحرب في أوكرانيا أو من خلال الضغط على واشنطن لوقف الحرب في غزة، وإعادة الاستقرار والسلام إلى البحر الأحمر ومن خلال هذا العمل تقدم نفسها كقوة تصالحية ومستقرة في العالم.
موسكو وصنعاء على سكة التعاون
ولا تتعلق دعوة وفد أنصار الله إلى موسكو بالتطورات الراهنة في البحر الأحمر فحسب، بل إن الروس يتعاونون بشكل أو بآخر مع هذه الحركة منذ سبتمبر/أيلول 2014، عندما تولى أنصار الله السلطة في صنعاء، رغبت قيادة أنصار الله دائما في التوسع وبناء علاقات مع موسكو، وعند إلقاء نظرة على مسيرة حرب اليمن منذ عام 2015، يظهر أنه منذ بداية عدوان التحالف السعودي على اليمن، التزمت روسيا باستراتيجية الحياد في هذه الحرب ولم تدن الهجمات السعودية ولم تدعمها، وفي الواقع، كانت استراتيجية الروس في التفاعل مع الحرب في اليمن تتمثل في دعم دور ممثلي الأمم المتحدة لإحلال السلام في هذا البلد ولعب دور غير مباشر في قضية الحرب.
وبمجرد أن هاجم التحالف السعودي اليمن في أبريل/نيسان 2014، أكدت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، رغم أنها أعربت عن قلقها البالغ إزاء تدهور الوضع الأمني في اليمن، على ضرورة وقف الضربات الجوية في أقرب وقت ممكن واستئناف المحادثات لحل الأزمة في هذا البلد، ولطالما أكدت موسكو على ضرورة الحفاظ على سيادة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه، واعتبرت إيجاد الحل السياسي هو الخيار الوحيد لحل الأزمة في هذا البلد.
وفي يوليو/تموز 2017، عندما كان اليمن في ذروة الحصار الاقتصادي الذي فرضه التحالف السعودي، أرسلت روسيا مساعدات إنسانية إلى صنعاء عن طريق الجو، وفي يوليو/تموز 2019، دعت روسيا قادة أنصار الله إلى موسكو للمرة الأولى وقدمت مقترحات لحل الأزمة اليمنية، وكان من بين هذه المقترحات وقف عمليات أنصار الله الصاروخية على الأراضي السعودية، وكذلك إنهاء الهجمات السعودية على الشعب اليمني وإلغاء القيود على إرسال المساعدات الإنسانية.
قادة صنعاء راضون بشكل عام عن مواقف روسيا في مجال الحرب اليمنية، ورحبوا بدور موسكو الأكبر، وفي يوليو/تموز 2020، قال عبد السلام، أحد قيادات أنصار الله، في مقابلة مع "26 سبتمبر" صحيفة "روسيا يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في القضية اليمنية"، ونعتقد أن موقف روسيا تحسن مقارنة بالماضي، ولدينا علاقات استثنائية مع الجانب الروسي، ونتبادل وجهات النظر بشأن القضية اليمنية، وإذا استمر هذا التطور في الموقف الروسي فإنه سيكون إيجابيا ويخدم الاستقرار والسلام في المنطقة.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، عندما وضعت الحكومة الأمريكية السابقة جماعة أنصار الله على قائمة الإرهاب، قيم ممثل روسيا في مجلس الأمن ووزير خارجية هذا البلد قرار الولايات المتحدة باعتباره إجراءً له عواقب مدمرة وعقبة أمام المسار السياسي، وتسوية الصراع اليمني، وطلبت من واشنطن إعادة النظر في هذا القرار، و منذ العام الماضي، عندما هدأت التوترات في اليمن وتم التوصل إلى وقف جزئي لإطلاق النار، كثف الروس نشاطهم في اليمن لإنهاء هذه الأزمة الإقليمية وتعزيز علاقاتهم مع حكومة الإنقاذ الوطني، وفي أغسطس من هذا العام، اعتبرت روسيا القيود المفروضة على إرسال المساعدات الإنسانية إلى اليمن غير مقبولة وطالبت بضرورة استخدام الإجراءات التقييدية في اليمن لدفع حل السلام وليس خلق فوضى سياسية في المنطقة.
لقد أدركت روسيا حقيقة أن أنصار الله أصبحوا الآن القوة المتفوقة في الساحة السياسية والعسكرية في اليمن بفضل خبرتها التي امتدت لتسع سنوات في الوقوف ضد التحالف المعتدي، ومؤخراً من خلال إظهار القوة ضد الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومن وجهة نظر الروس، وصل أنصار الله إلى مستوى من النضج السياسي يمكنها من تولي قيادة حكومة مستقلة ومستقرة في اليمن.
إن إنشاء حكومة وحدة وطنية في اليمن بقيادة أنصار الله سيؤدي إلى استئناف روسيا العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع هذا البلد من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية، وتعتبر اليمن دولة جاذبة لأي دولة بسبب احتياطياتها من النفط والغاز، وكذلك جزرها العذراء المليئة بمناجم الملح والرخام والاحتياطيات الكبرى غير المستكشفة من الفحم والذهب والرصاص والنيكل وغيرها، وجود مثل هذه الثروات جزء من الأسباب الرئيسية، كان عدواناً على اليمن، حيث احتلت الإمارات الجزر الجنوبية لليمن، وخاصة سقطري، لنهب هذه الموارد الغنية، والآن، يمكن لروسيا، التي تتمتع بسجل حافل في مشاريع التعدين في أفريقيا، أن تستخدم التجربة نفسها في اليمن، وهذا العمل يعد "مربحا للجانبين" لموسكو وأنصار الله.
ومن ناحية أخرى، تعلم روسيا أنه في النظام العالمي الجديد، ستتولى الدولة التي تسيطر على الطرق البحرية والممرات الدولية نبض التجارة العالمية، ويعتبر مضيق باب المندب أحد هذه الطرق التي يستغلها الروس، ويعتبر هذا المضيق من أهم طرق التجارة البحرية من الشرق إلى الغرب، ويمر عبر هذا المضيق حوالي 6 ملايين برميل من النفط كل عام وتمر عبره حوالي 40 ألف سفينة كل عام، ويتم إرسال حوالي 10% من ناقلات النفط إلى أجزاء أخرى من العالم عبر هذا المضيق، ولذلك فإن روسيا التي تحاول قياس نبض سوق الطاقة في العالم بمساعدة دول الخليج الفارسي الغنية بالنفط واستخدامها كرافعة ضغط ضد الغرب، تقوم بتقييم الموقع الجغرافي لليمن لتحقيق هذا الهدف المهم.
ومن ناحية أخرى، تعتقد روسيا أنه مع تشكيل حكومة أنصار الله في اليمن، سيتم توفير الظروف لبيع الأسلحة لهذا البلد، ويمكن لروسيا بهذه الطريقة إرسال الإيرادات إلى خزائنها وتوقيع عقود عسكرية مماثلة، وما فعلته الولايات المتحدة مع عرب الخليج الفارسي، هو تعزيز موطئ قدمها في هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية، ووفقا لبعض الخبراء، فإن الاستحواذ على منشآت بحرية وجوية في اليمن سيزيد من القدرة العملياتية لروسيا في المحيط الهندي والبحر الأحمر، وفي الوقت نفسه، فإن مصالح البلاد يتنافس عليها حاليا منافسو القوى في المنطقة، ولن يصبح تحقيق هذه الأهداف واقعا إلا عندما يكون لليمن حكومة مستقلة وتحاول موسكو جعل أنصار الله حاكما لليمن من أجل زيادة نفوذها في المنطقة.